لم يكن القرار سهلا، وإنما جاء قرار العودة إلى بكين بعد مناقشات عديدة مع أهلى وزملائى في العمل، معظمهم كان غير مرحب بالفكرة تماما، وأن مصر مازالت آمنة وخالية من وباء كورونا.
رتديت الكمامة منذ دخولى مطار القاهرة الذى وجدت فيه جميع العاملين على استعداد تام، بداية من إجراء عمليات التعقيم، إلى الالتزام بارتداء الكمامات من جميع العاملين والضباط، وعند سؤالى "إلى أين أنت ذاهب؟" من أحد ضباط المطار، وقلت له الصين، نظر إلى وقال "ليه بتعمل في نفسك كدا" ابتسمت وقولت له "رب هنا رب هناك وأكل العيش نعمل إيه".
واتخذت القرار بالعودة إلى بلدى الثانى بكين، حيث عملى ودراستى التي لا أستطيع الاستغناء عنهما يوما ما.
كانت الإجراءات في مطار القاهرة مشددة للغاية من حيث كشف درجات الحرارة إلى عمليات التعقيم في كل مكان، انتهينا من الإجراءات في وقت قصير وصعدنا إلى الطائرة المتجهة أولا إلى أبو ظبى في دولة الإمارات، فكرة ارتداء الكمامة كانت ليست صعبة بالنسبة لى في البداية لأنى أرتديها الكثير من الوقت في بكين، ولكن هذه المرة ترتدى الكمامة وأنت تعلم أنك لن تنزعها حتى وصولك إلى بيتك أو الحجر الصحى في بكين.
بعد 3 ساعات ونصف، وصلنا إلى أبو ظبى، كانت الأوضاع مخيفة في المطار، حيث يوجد الكثير من المسافرين لا تستطيع أن ترى وجه أحد من الكمامات المنتشرة في كل مكان، تم الكشف علينا جميعا بأجهزة كشف حرارة متقدمة للغاية، ثم انتظرنا في مطار أبو ظبى لمدة ساعتين ونصف حتى الصعود إلى متن الرحلة المتجهة إلى بكين العاصمة الصينية، ومن هنا بدأ التوتر والخوف، لا يوجد على الطائرة الكثير من الأجانب، فقط 20 شخصا أجنبيا، وباقى الطائرة كلها صينيون عائدون من دول مختلفة منهم من أوروبا ومنهم من أمريكا ومنهم من أفريقيا، وأنت لا تعلم أين يختبئ فيروس كورونا حولك، اتخذت إجراءات أكثر وقاية ارتديت كمامتين، ثم توكلت على الله، صعدنا إلى الطائرة حيث رائحة مواد التعقيم تفوح في كل مكان.
مكبلة بقلق لا ينقطع، مرت عقارب الساعة طوال الرحلة التى استغرقت ثماني ساعات وفى مطار بكين، كان شعار "الأسوأ لم يأتى بعد" فى انتظار الجميع، فالسلطات الصينية التى اكتوت بنيران الفيروس القاتل، واستطاعت فى وقت قياسي السيطرة عليه بشكل شبه كامل، باتت تضع الجميع فى دائرة الشك، فقدومك من خارج البلاد يعني أنك "مريض محتمل".
انتظرنا في الطائرة لأكثر من ساعتين، تم النداء على أسماء أشخاص معينة من قبل الجانب الصينى، وتم فحصهم خارج الطائرة للتأكد من خلوهم من فيروس كورونا، ثم بدأ السماح لنا بالخروج من الطائرة على شرط أن يكون المسافة بيننا وبعضنا البعض متر واحد، وعند خروجك من الطائرة تجد شخص ينتظرك ويحمل في يده جهاز لقياس الحرارة، ثم تذهب للمرور عبر أجهزة حديثة للغاية للكشف عن الحرارة ثم استجواب لمدة اكثر من نصف ساعة، من أين أتيت ولماذا اتيت وإلى أنت ذاهب، وأين كنت أخر 14 يوم قبل الوصول إلى الصين.
ثم تنتظر في غرفة وصول الحقائب وبعد استلامها يتم نقلنا بأتوبيسات خاصة من المطار إلى مكان يبعد عن المطار نصف ساعة لإجراء الفحص الطبي مرة أخرى، ومن هنا يتم جمع بياناتك مرة أخرى مثل ما حدث في المطار ومعرفة أين تسكن في بكين، والاتصال بمكان السكن الخاص بك، وسؤالهم إذا كان بالإمكان الموافقة على أن أجلس في البيت لمدة 14 يوما أم يجب أن أذهب إلى الحجر الصحى الذى خصصته الحكومة الصينية لكل منطقة سكنية.
وصلت إلى مكان سكنى مع صديقى إبراهيم بعد رحلة استغرقت أكثر من 36 ساعة بدون طعام وبدون نزع الكمامة، ولكن كانت المفاجأة وهى عدم الموافقة على دخول المنزل ويجب أن أذهب إلى الحجر الصحى المخصص، وهو فندق يبعد كليومتر واحد عن مكان منزلى.
مجددا، تم اجراء الفحص الطبي علينا مرة أخرى عند دخول الفندق، ثم انتظرنا أكثر من ساعتين حتى تجهيز الغرف الخاص بنا، تم تسلمنا ورقة وجهاز لقياس الحرارة وعلينا أن نسجل ذلك يوميا في الصباح والمساء، وابلاغهم عبر الهاتف عن أى أعراض ممكن أن تظهر علينا خلال هذه الفترة.
انتقلنا إلى الغرف ولا شيء أحلم به إلا النوم، نمت أكثر من 10 ساعات ثم استيقظت على الهاتف، وهو يطلب منى تسجيل درجة حرارتى وابلاغه بها، ومن ثم أخبرنى بأنه سيتم ترك الطعام أمام الغرف يوميا، وممنوع الخروج من الغرف حتى الانتهاء من فترة العزل أو الحجر الصحى المقررة 14 يوما، وتم إبلاغي أيضا بأنه يمكننى أن اتحدث إليهم في أي وقت..ومنذ ذلك الحين لم أر شخصا واحد حتى كتابة هذه الكلمات، فالحجر الصحي فى بكين أقرب ما يكون لزنزانة مات حارسها أو ضل الطريق.
ورغم قسوة الإجراءات ، إلا أن الدمار الذى خلفه وباء كورونا يجعل من معايير السلامة مقدمة علي ما سواها من اعتبارات ، حينها تدرك الدول أن العودة إلى الوراء انتحار ، وأن التهاون مع الوباء الغامض مجازفة غير مأمونة العواقب.
لم يعد لي أى اتصال بالعالم الخارجى إلا من خلال هاتفى المحمول واللاب توب ومنصات التواصل الاجتماعي وبعض التطبيقات..أتابع بقلق وتيرة انتشار كورونا فى مصر حيث الأهل والأصدقاء، وأدعو الله ألا تخرج عن نطاق السيطرة أدعو وأنا علي يقين رغم الوحدة والخوف أن الحسم هو الطريق الوحيد للمجابهة وأن الحلول لن تأتى - رغم القسوة - إلا من هنا.. فاطلبوا الحلول ولو فى الصين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة