قبل أيام دعت جوليا جيرو، وزيرة الصحة الإيطالية السابقة، الإعلام الإيطالى ومقدمى البرامج ألا يستعينوا فى حديثهم عن الفيروس بخبراء السياسة، المنظرين، الفلاسفة، لأنهم نشروا معلومات مزيفة، مؤكدة أن من يجب أن يتحدثوا عن كورونا هم الأطباء وعلماء أحياء المتخصصين فى الفيروسات.
ويبدو أن الأزمة لا تتعلق بنا فقط حيث تسود الفتاوى والوصفات التافهة، وقد تأملت أعداد «الفريندز والفلورز» واكتشفت مفارقة تثير الدهشة، وهى أن عددا وافرا من الأطباء بعضهم تخصصه قريب من الفيروس، ومع هذا تفرغوا للحديث فى السياسة وانتقاد سياسات صحية وبعضهم يوجه انتقادات وأفكارا عميقة فى كل الشؤون ماعدا الطب.
وبعض هؤلاء الأطباء ينشر بوستات شديدة السطحية فى الاقتصاد أو الفائدة البنكية وخسائر البورصة. ليظهر فى المقابل كان هناك أحد «الفريندز» ممن قدم نفسه فى فترة على أنه مهندس، وقدم بوستات عن الليبرالية واليسار الاقتصادى، ثم بدأ يكتب نظريات فى الاقتصاد والإصلاح السياسى، وأحيانا فى شؤون الاقتصاد والمال، وانتقل إلى سياسات الأنهار والسدود، واللافت للنظر أن كثيرا من توقعاته وتحاليله لم تكن بمستوى كبير لكنها كانت تعجب بعض متابعيه لكونه يستعمل مصطلحات تبدو عميقة.
لكن فجأة ترك الخبير الشامل تحليلات السياسة والاقتصاد والطاقة والبورصة وأصبح من خبراء فيروس كورونا، والسياسات الصحية والفيروسية عبر العالم. يقدم تحليلات عميقة فى لقاحات الفيروس ومدى مطابقة السياسات الصحية بالصين لما يجرى.
والواقع أن الخبير الشامل لم يكن هو وحده الذى يتحدث بكل ثقة فى شؤون الفيروس، ولدينا فيديو الفتاة المصرية الأمريكية التى ظهرت فى فيديوهات تقدم نصائح لاعلاقة لها بالطب، وتصرخ بهستيريا، ومع هذا وجدت متابعين وتابعين.
اللافت أن أطباء وخبراء طب كانوا يتحدثون فى موضوعات لا يبدو أنهم يفهمونها بينما يمكنهم أن يكتبوا معلومات مبسطة وتوعية ربما تفيد المواطنين فى أزمة فيروس يهدد العالم، ويبسطون المعلومات، الغريب أن بعض السادة الأطباء «المشمأنطين»، كانوا يكتبون «بوست ساخن» كل عشر دقائق بما يشير إلى أنهم ربما متفرغون للتحليل السياسى، فى وقت يحتاج المتابعون منهم كلاما ونصائح طبية. أو حتى يرفعوا الروح المعنوية لآلاف من الأطباء والممرضين ممن يتصدون بشجاعة للفيروس، وينفذون خطة دقيقة للمواجهة.
قضية تبادل الأدوار فى عالم السوشيال ميديا، وأن يصمت المتخصصون وينطلق خبراء «اللاشىء» ليفتوا فى كل حاجة من دون علم أو تفرقة بين الفيروس والبكتيريا، وهى ظاهرة عالمية لفتت نظر الحكومات فى العالم، ورأينا وزيرة الصحة الإيطالية السابقة وهى تطالب الإعلام بالتوقف عن استضافة سياسيين ليتحدثوا فى الفيروسات.
طبعا نحن نتحدث عن فئات أصابها فيروس « السوشيالية» يتحدثون فى كل شىء إلا الشىء الذى يفترض أنهم يفهمون فيه، وبعضهم طبعا يفضل صورة الفاهم العميق المتعالى، فيوجه انتقاداته لخطط حكومية ويتبنى بعضهم أرقاما مفبركة، وهو يرى التفاصيل أمامه، بل وبعضهم من أجل الاستعماق الشديد يسخر من أى إشادة بخطط الحكومة فى إدارة أزمة أربكت العالم المتقدم. طبعا بعض هؤلاء يفضل أى مصدر مترجم ويلوى « بوسته» وهو يشير إلى اسم إفرنجى أو عنوان بلغة أخرى، كدليل على أنه مطلع ومدرك لأبعاد العالم المتوازى والمنتشر. وهو نفس السلوك الذى صنع من «الولاحاجة»، «أى كلام». طبعا كل هؤلاء من نتاج أدوات تواصل يمكن لأى شخص أن يتحدث فى أى شىء إلا تخصصه الأصلى.