كل أزمة لها عدة وجوه، فيروس كورونا رعب متحرك أثار مخاوف العالم كله، وأدى لأزمات اقتصادية واجتماعية وصحية فى العالم نظن أنها تجاوزت أى كوارث سابقة. كما أدى لإغلاق مصانع وشركات وانهيارات اقتصادية وبطالة وأزمات متعددة طالت الدول الكبرى وغيرها ويكاد العالم يقترب من أزمة اقتصادية عالمية، كان بعض خبراء الاقتصاد يتوقعونها، لكن كورونا عجل بها. الفيروس أيضا وضمن تأثيراته الجانبية خفض من الانبعاث الحرارى بنسبة كبيرة بسبب خفض الإنتاج وتوقف الصناعة والسيارات وأدوات النقل.
لقد أثار فيروس كورونا «COVID-19» الفزع لكنه أعاد التذكير بتهديدات خلال العقدين الماضيين، مثل أنفلونزا الطيور والخنازير وسارس وجنون البقر، ضمن طفرات متحولة من الفيروسات تدمر البشر. وتعبر الحدود الدولية وتهدم حصانة الحدود بل وتضطر العالم لإغلاق أبوابه ومطاراته وموانيه وتشل حركة التجارة والصناعة وتبادل السلع.
أحد وجوه فيروس كورونا أنه ضاعف من تأكيد واقع عالمى هو غياب العدالة بين دول ثرية وأخرى فقيرة، الفيروس لا يفرق بين غنى وفقير وأنه أصاب مئات فى الدول الكبرى، لكنه كشف أيضا عن أن آلافا وربما عشرات الآلاف من مواطنى الدول الفقيرة، يدفعون حياتهم ثمنا لكونهم مجرد مواد خام لدول العالم الأول. لقد أثار بعض المفكرين والكتاب فى أوروبا بعضا من هذه القضايا، وطالبوا بأن يعيد العالم المتقدم النظر فى حجم ما ينفقه على الموت والحياة، بمعنى تقليل سباقات التسلح لصالح سباق طبى وعلمى، لكن هناك شك فى أن تراجع الدول الكبرى هذه الوقائع، حتى لو كانوا يذكرون ذلك أثناء الأزمة وسرعان ما ينسون كل هذا ويعود العالم.
كورونا يذكر البشر بحقيقة يتم نسيانها أنهم يعيشون على أرض واحدة، يواجهون تحديات واحدة، ولايمكن لبعض البشر فى أوروبا النجاة بينما يهلك الآخرون. كورونا يقول إن ما يهدد الفقراء فى العالم سيأتى عليه وقت ويهدد الأثرياء والمتقدمين. لقد سقطت بعض حصون التقدم أمام فيروس غير مرئى، أثار ارتباكا يغير خطط العالم المتقدم وأن تتوقف الكثير من مظاهر العولمة الاقتصادية المتوحشة ونفاق تريليونات على سباقات التسلح.
ثم أن الفيروس ومعه تحديات البيئة والصحة يفرض على العالم الاعتراف بأنه مهما كان حجم الإنفاق على الصحة والطب، من الوارد أن يظهر تهديد من جوانب مظلمة غير مرئية، ويحتم الاستماع إلى آراء وأفكار العلماء والخبراء الذين حذروا من الإفراط فى تجاهل البيئة، ومن تجاهل قواعد العدالة، واستسلم قادة العالم لأفكار متوحشة وحروب هدفها الربح حتى لو على حساب البشر ومستقبلهم.
لقد أعاد خطر كرونا التذكير بأهمية الدور الذى يلعبه الأطباء والممرضون وجيوش بيضاء تتولى مهام الدفاع عن صحتهم وتواجه الخطر فى خطوط الدفاع الأولى، كان الأطباء فى طليعة من واجهوا الأوبئة على مر التاريخ، مع أنهم ليسوا من الفئات الأكثر رعاية وتميزا.
فى مصر كان آلاف من الأطباء وأعضاء هيئات التمريض، يقفون فى الصفوف الأولى لمواجهة الخطر من الفيروس وغيره، وكأنهم يذكرون أصحاب الضجة الفارغة وصناع التريند أن هناك ماهو أهم من ضجة فارغة وأن العمل والمواجهة هم الطريق الأهم. ويستحق هؤلاء بدلات لمواجهة الخطر نظن أن وقتها سيأتى لإنصاف أبطال الصفوف الأولى.