تناولت مقالات صحف الخليج، اليوم السبت العديد من القضايا الهامة سواء على المستوى العربى أو الدولى، ولازال يسيطر فيروس كورونا على مقالات الكتاب بالصحف الدول الخليجية، حيث سلطوا الأضواء على كيفية التغلب على الحجر الصحى، كما تناولوا في مقالات الاحتفالات بعيد الأم.
أدب الحجر
سمير عطا الله
وفى صحيفة الشرق الأوسط السعودية، خصص الكاتب الكبير سمير عطا الله مقاله على مشاهير الحجر الصحى، قائلا :"هذا هو اليوم الثامن من الحجر الذاتي داخل المنزل، والحمد لله على هذه الشرفة وجميع الشرفات. أتذكّر الذين أمضوا أعمارهم مُقعدين حجر الدهر عليهم وجعل عالمهم بضعة جدران. أحدهم كان مارسيل بروست، أشهر كتّاب فرنسا. كان بروست مصاباً بالربو، لا يستطيع أن يفتح نافذة غرفته المليئة بالستائر السميكة. أدرك الشاب أن الغرفة المعقّمة حُكمٌ مدى الحياة، فراح يبحث عن وسائل القوة عنده: الذاكرة.
راح يتذكر ويكتب «بحثاً عن الزمن المفقود»، التي سوف تصبح تحفة الرواية الفرنسية وإحدى تحف الأدب العالمي. فإذا كانت حياتنا متحركة «فإن الذاكرة في مكانها». هكذا راح يعتصرها بالثواني والتفاصيل، غير مدرك أن الحاصل سوف يشكّل أحد أهم الأعمال في أدب الرمز، في جميع لغات العالم.
كان المهم شيئين: أن يتذكر وأن يكتب. جمل قصيرة وجمل طويلة. إحداها بلغت 365 كلمة. وفي أخرى وصف موسع لمنديل على مائدة الطعام، ومن أي قماشة صنع. أو صوت مرور المياه في قساطل المبنى. ومن ثم يدخل في تأملات روحية ونفسية حول كل الخواطر. كل ذلك يتلقفه بروست بأسلوبه الإيقاعي الجميل. ولم يكن يدرك أنه يقدم مادة فائقة للأدب العالمي فحسب، بل تحولت روايته إلى موضع دراسة عند علماء النفس وعلماء الأعصاب.
مسجى على سرير الأمراض، عاش أيضاً الشاعر الملحمي بولس سلامة (عيد الرياض). سنوات وهو لا يرى سوى سقف الغرفة، ومع ذلك، يكتب الشعر والنثر والدراسة الفلسفية الممتعة، كما في كتابه «الصراع في الوجود». مثل بروست، كانت الذاكرة أهم ما يملك. وقد عاد إليها حرفاً حرفاً ويوماً يوماً. ومن غرفته، أو محجره، استعاد مشاهد الزمن المفقود وجعل منها أعمالاً أدبية كبرى، مثل «مذكرات جريح» و«حكاية عمر» و«مِن شرفتي»، وهي جميعاً أجزاء من سيرة ذاتية حتى سن الخامسة والثلاثين، عندما أقعده حادث صحي وهو يقوم بعمله قاضياً في مدينة طرابلس.
عذراً أيتها الأمهات
حمده خميس
وفى صحيفة الاتحاد الإماراتية خصصت الكاتبة حمدة خميس مقالها عن الأم تزامنا مع الاحتفالات بعيد الأم، قائلة:"في هذا اليوم، المدون في روزنامة السنين (21 مارس) من كل عام يجري الاحتفال بكن أيتها الأمهات، مبدعات الحياة وحاضنات البشر والوجود، اللواتي مجدكن الشاعر الكبير حافظ إبراهيم بأبياته الرائعة التي يقول فيها:
الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتهَا
أعددتَ شعبا طيِّبَ الأعراقِ
الأمُّ روضٌ إن تعهدهُ الحيا
بالرَّيِّ أورقَ أيَّمَا إيراقِ
الأمُّ أستاذُ الأساتذةِ الألى
شغلت مآثرهم مدى الآفاقِ
(2)
هكذا أنتن، والمدح فيكن لا يفي. والاحتفال بعيدكن أصبح مقيداً بهذا الوباء الذي تفشى في كل بقاع الأرض، ولم يوجد بعد أي دواء يقي البشر من هذا المرض الذي أطلق عليه مدير منظمة الصحة العالمية (عدو البشرية).
أيتها الأمهات تذكرن أن كل الحروب التي شنت منذ آلاف السنين دمرت حضارات وقتلت بشراً.. وأن من بقوا على هذا الكوكب أحياء وتناسلوا وتكاثروا أعادوا بناء الحضارات الإنسانية، لكن الطبيعة أيقظت فيروس كورونا (كوفيد، 19) الذي يجتاح العالم من دون استثناء، ولا يميز بين ضحاياه، سواء كان طفلاً صغيراً، أو شاباً، أو مسناً.. لماذا؟ هذا السؤال الذي يجر سؤالاً آخر: هل المواد التي تنبعث من كل أنواع الأسلحة التي تستخدم على هذا الكوكب الفريد بين كواكب الكون، سبب تلوث الطبيعة ونشوء هذا النوع من الفيروسات القاتلة في هذا الزمان؟
وماذا فعلت آلاف المصانع التي تنتج الأدوية التي تنتشر صيدلياتها في كل دول العالم لتعالج مرضاً ما في إنسان، وتسبب له عشرات الأمراض بأعراضها الجانبية؟ لماذا يتباهى الإنسان باختراع الأجهزة الإلكترونية بكل أنواعها وغاياتها، وبكل إيجابياتها وسلبياتها أحياناً، والتي تنتشر في كل أرجاء الأرض، ويعجز أمام هذا الفيروس الذي قتل الآلاف في كل بلدان الشرق والغرب على امتداد الكرة الأرضية؟
(3)
إذاً علينا أن ننتظر أيتها الأمهات نتائج اكتشاف الدواء السحري للتخلص من هذا الفيروس القاتل، والاحتفاء بسلامتكن وعيدكن الدائم!
الحبُّ في زمن العزلة
فهد البكر
وفى صحيفة الرياض السعودية، خصص فهد البكر مقاله عن الحب في زمن العزلة، قائلا :"عبارة جميلة طرّزها الروائي والقاص الأميركي (أرنست همنجواي 1969م) ربما تصلح شعاراً لنا هذه الأيام ونحن نعيش في أجواءٍ تشبه العزلة بسب تفشي (فايروس كورونا) نسأل الله السلامة منه, والشفاء لجميع المصابين به. يقول(همنحواي): «ابتعادُنا عن البشر لا يعني كُرهاً أو تغيّراً؛ العزلةُ وطنٌ للأرواح المتعبة» نعم, نحن نبتعد عن أحبابنا, وأصحابنا, ونعيش في عزلة جماعية, لكن هذه العزلة التي نحن بصددها, على الرغم من قسوتها, وألمها, هي ليست شراً, أو وبالاً على كل حال, بل تحمل في طياتها العديد من المعاني الجميلة, والقيم الإيجابية, وأمور لا يعلمها إلا الله.
العزلة التي نعيشها اليوم هي عزلة من طراز مختلف, عزلة صار فيها الإنسان يشعر بحب أهله, ووطنه, وعمله, وكل شيءٍ انقطع عنه, وصار يشتاق إليه؛ حتى الذين كانوا يرتادون الأسواق, والمقاهي, والصالات الرياضية, وغيرها, والذين كانوا يحرصون على الأسفار, والتجمعات العائلية, والمناسبات الخاصة؛ كل أولئك هم اليوم متعطشون إلى انفراج هذه الأزمة, والخروج من العزلة؛ ليمارسوا حبهم لأشيائهم التي اعتادوا عليها. ومع ذلك فقد منحتنا هذه العزلة الشيء الكثير, ويكفي أنها جعلتنا نتغيّر, ونعود إلى عاداتنا القديمة, ونعتاد العزلة بشكل طويل رغم الألم. يقول جبران خليل جبران: «الألمُ يغيّر الناس، فيجعلهم يثقون أقل، ويفكرون أكثر، وينعزلون أطول».
ولطالما كانت العزلة أمراً محرّضاً على اغتنام الوقت بالإبداع, والابتكار, والاكتشاف؛ ولهذا فإن كثيراً من الذين جربوا العزلة بألوانها ودرجاتها قد خرجوا بما ينفعهم, والشواهد على ذلك كثيرة لدى الأدباء, والنقاد, والمخترعين, والموهوبين, وغيرهم. وهنا أتذكر مقولة جميلة للروائي الروسي (فيودور دوستويفسكي1881م) حيث يقول: «العزلة زاوية صغيرة, يقف فيها المرء أمام عقله» وعادةً ما يطرب الأدباء والفلاسفة لهذا النوع من العزلة, ويميلون إليه, ويتغنون به أحياناً؛ لأنهم يجدون في عزلتهم من المتعة ما لا يجده غيرهم. وكأنهم يحبونها, أو يحبون شيئاً فيها؛ وقد دفع هذا المبدأ الروائية الأميركية (ماري سارتون 1996م) إلى القول: إن: «الوحدة هي فقر النفس, أما العزلة فهي ثراؤها».