ليس هناك أسوأ من الدجال سوى الذى يصدقه، ويبدو أن السوشيال ميديا تمارس فى الآونة الأخيرة دور الدجالين القدامى والمشعوذين وتسوق الناس لزمن الأزمات الخرافات والأوهام وتريدهم أن يصدقوها، ومن ذلك ما انتشر منذ أيام قليلة على مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك شخصًا يدعى إبراهيم بن سالوقيه متوفى عام 463 هجرية تنبأ بأحداث كورونا من خلال كتاب له يسمى أخبار الزمان، وينقلون من ورقة مزعومة تحمل رقم 365 نصًا يقول:
حتى إذا تساوى الرقمان (20=20)
وتفشى مرض الزمان
منع الحجيج
واختفى الضجيج
واجتاح الجراد
وتعب العباد
ومات ملك الروم
من مرضه الزؤوم
وخاف الأخ من أخيه
وصرتم كما اليهود في التيه
وكسدت الأسواق
وارتفعت الأثمان
فارتقبوا شهر مارس
زلزال يهد الأساس
يموت ثلث الناس
ويشيب الطفل منه الراس
في البداية كما نؤكد وأكد أيضًا الذين سبقونا بالبحث لا يوجد شخص فى التاريخ الإسلامي يحمل اسم إبراهيم بن سالوقيه، فهو اسم مزعوم لا أساس له من الصحة، حتى لو حاول البعض أن يلفق له نسبا أو يسوق له حججًا أو يدعي أنه عاش فى بلاد كذا أو كذا، فهذا الاسم لا يعرفه أحد ولم يرفق اسمه فى كتاب من قبل ولم يذكر أحد أي نص له قبل يوم 16 مارس الجاري عندما ذكرته صفحة تدعى "تغريدات عراقية".
ومع أن إبراهيم بن سالوقيه غير معروف فإن كتاب "أخبار الزّمان" معروف لكنه من تأليف أبو الحسن عليّ بن الحسين بن علي المسعودي، وهو من علماء العرب في زمانه، لقبه قطب الدّين، ولد سنة 283هـ والمتوفّى سنة 346 هـ (896-957م). وهو من ذرّية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ولد في بغداد ومات في فسطاط في مصر، كان اهتمامه كبيرًا بالتّاريخ والفلك والجغرافيا، وكتابه أخبار الزّمان ومن أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران، كتاب تاريخيّ فيه تاريخ الزّمان من أوّله (ابتداءً بقصّة آدم)، يحوي قصصًا غريبة، يميل بعضها ليكون قصصًا خرافيّة وبعضها إلى الحقيقة، وليس فيه تنبّؤاتٍ بالمستقبل، لكنه يتحدث عن الماضي.
هذا من جانب ومن ناحية أخرى فإننا لو تأملنا النص السابق سوف نجد نصا غير متسق وغير متوافق مع طريقة العرب فى التأليف من ذلك غياب الإيقاع فى الجمل، فإن العرب كانوا عادة مغرمين باتساق الجمل وتقاربها ومساواتها محافظة على الإيقاع كأنها مقطوعات شعرية، لكن النص المذكور ممتلئ بالأخطاء وحافل بالكسور.
وثالث المنكرات وأشدها دلالة علي "خرافة النص" وكذب مدعيه هو استخدام الأشهر في ذلك الزّمن القديم، فمنذ نحو 1000 سنة وأكثر كان العرب والمسلمون لا يستخدمون للأشهر الميلاديّة في ذلك الزّمن إلا قليلًا، وكانوا يستخدمونها بأسمائها العربيّة (آذار)، أمّا الاستخدام الرّسميّ فكان للأشهر الهجريّة.
وذهب البعض إلى أن اسم سالوقيه ليس له معنى أصلا، وذلك لأن الأسماء الّتي تنتهي في اللّغة العربيّة بمقطع (ويه) هي أسماء فارسيّة في أصلها، مثل سيبويه ونفطويه، والمعنى الرّاجح لمقطع (ويه) في الأسماء الفارسيّة هو (ذو) بمعنى صاحب، أيّ إنّ إضافة (ويه) لكلمة (سيبي) تجعلها (سيبويه) بمعنى رائحة التّفاح، وهذه قاعدة معروفة في الأسماء الفارسيّة المنظومة بهذا الشّكل (ماهويه، نفطويه، برزويه، شيرويه، خمارويه، مسكويه، راهويه،سيبويه،..) وغيرها الكثير، فلا يصحّ أصلًا تسمية سالوقيه، في اللغة إذ يجب أن تكون سالقويه حتّى تكون صحيحة التّركيب، فضلًا عن أنّه لا يوجد أصلًا معنى لكلمة سالوق في الفارسيّة.