أزمة كورونا تكشف يوميا عن حالة من التفاعل المزدوج، وتكشف عن ظواهر جديدة على العالم لقد عرف العالم عدة هجمات للأوبئة، سجلها مؤرخون وتظل أرقام الإصابات والضحايا محل اختلاف نظرا لغياب أدوات الإحصاء وأيضا الحواجز بين الدول فضلا عن غياب أدوات الإحصاء، يضاف لذلك أن الأوبئة التى ظهرت فى القرون الأولى للميلاد كانت تنتشر عبر حركة التجارة، ولم تكن أدوات المواصلات أو التواصل والاتصال أو الإحصاء قادرة على العمل بشكل كامل، فضلا عن أرقام الضحايا فى أماكن متباعدة كلها تشير إلى غياب الحصر الكامل للضحايا.
لدينا أخبار عن أوبئة وأرقام ضحايا من الطاعون الأنطونى وهو نوع من الجدرى ضرب روما بين عامى 165-185 ميلادية وكان يقتل 2000 شخص يوميًا - ودمر الجيش الرومانى وكان أحد أسباب انهيار الإمبراطورية. والطاعون الأسود الذى قتل حسب الأرقام 25 مليون بين عامى 1347-1351 فى أوروبا يشكلون ثلث سكان أوروبا. وجائحة الأنفلونزا الأولى عام 1580 فى آسيا، وانتقلت عبر التجارة إلى أوروبا وأمريكا. وتعد الأنفلونزا الإسبانية عام 1918 أسوأ كارثة طبية فى التاريخ، قتلت حوالى 50 مليون وأصابت حوالى ثلث سكان العالم وتكررت الكوليرا والطاعون وغيرها طوال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.
ولا توجد معلومات مؤكدة عن ضحايا هذه الأوبئة، ربما تكون الأعداد أكبر أو أقل، فضلا عن غياب الاتصال وحتى فى عصر الصحافة وقبل الإذاعة لم يكن ممكنا لسكان العالم التشارك فى معرفة أخبار الوباء أو الكارثة مثلما هو اليوم.
نحن مع كورونا وقبلها فيروسات أنفلونزا الطيور والخنازير وسارس ومرض جنون البقر، واجه البشر هذه الأخطار فى ظل اتساع أدوات التواصل والاتصال حيث تدور الأحداث ويتم إعلان أرقام الإصابات والضحايا علنا، الأمر الذى يصنع نوعا من عدوى الرعب، وربما لهذا انتبهت دول مختلفة إلى جدية خطر الفيروس بعد أن ظهرت حالات الإصابات والوفيات فى إيطاليا وقبلها إيران ثم دول وأوربا بعد الصين.
فيروس كورونا ـ مثل الحروب والصراعات والحوادث ـ يهاجم العالم فى ظل شبكة إنترنت وشبكات تليفزيون، تجعل المواطنين فى العالم على اتصال، وهو عنصر لم يكن متاحا للبشر خلال القرون الأولى، ولا أحد يعرف ما إذا كان لهذه المعرفة ميزة أم عيبا، خاصة أنه مع إتاحة أدوات الاتصال والتواصل، هناك ظاهرة تبدو أوضح مع توافر أدوات المعرفة، وهى المبالغة والشائعات التى تنتشر مثل الفيروسات، وبقدر ما تقدمه أدوات التواصل من ميزات هناك حالات من الرعب المضاعف والكذب والشائعات، وهو أمر لا يتوقف علينا. ويبدو هناك دائما منصات ومصادر تتفنن فى إنتاج ونشر تقارير وفيديوهات وأرقام، هدفها بث الرعب فى البشر أو إثارة الفزع، أو حتى السعى لنشر حالة الاطمئنان المبالغ فيه.
وبقدر ما تتيحه أدوات التواصل والاتصال من ميزات للعلم ونشر الوعى، بقدر ما تتيح هذه الوسائل فرصة لأكثر الأفكار جهلا، بل وتظهر الكثير من عاهات التطرف والادعاء. مقابل بوستات التوعية والتوضيح، هناك أنواع من البوستات تختبئ خلف العلم وتقدم أشد الأفكار تخلفا وضررا.
وحتى الإعلام الذى يفترض أن يقوم بدور فاعل فى التوعية تحول فى قنوات مثل الجزيرة القطرية وتوابعها من القنوات اللاجئة لتنظيم الإخوان فى تركيا، إلى منصات للعداء ونشر الكراهية ضد الشعب المصرى ومحاولة مضاعفة الفزع أو نشر المزيد من الشائعات والأرقام الكاذبة، تترك قناة الجزيرة كارثة عالمية، وتتفرغ لنشر الكراهية والشائعات ضد المصريين. وبالطبع فإن وعى الناس يواجه هذه المساعى، لكن تظل أدوات التواصل والاتصال والتقدم ذات مواصفات مزدوجة، فهى تقدم المعلومات عن المرض والضحايا، وأيضا مساعى العلماء لإنتاج علاج أو مصل أو لقاح، وهى ميزات مزدوجة لمواطنى عالم جديد كان ومايزال يتشكل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة