بعث الشيخ على يوسف، صاحب جريدة «المؤيد» خطابا إلى الخديو عباس الثانى، يبشره بهزيمة الإمام الشيخ محمد عبده فى الأزهر.. كان «الإمام» عضوا بمجلس إدارة الأزهر منذ عام 1894، بفرمان من «عباس» بعد أن تقدم إليه بخطة لإصلاحه وتطويره، حسبما يذكر عباس العقاد فى كتابه «الأستاذ»، ثم عينه مفتيا للديار المصرية يوم 3 يونيو 1899.
لكنهما اصطدما بسبب استقلالية «الإمام» ومقاومته لأطماع «عباس» بالإضافة، وكان الخديو يقلب عليه رجاله فى الصحافة والأزهر لرفض خطواته الإصلاحية وفتاويه المستنيرة، وبلغ كرهه له حد استنكاره لمشاركة رئيس ديوانه أحمد شفيق باشا فى جنازته يوم 11 يوليو 1905.. يذكر شفيق فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن» أنه تلقى برقية من الخديو يقول له: «الجنازة حارة والكلب ميت.. وهو على ماتعهدون عدو الله، وعدو النبى، وعدو الدين، وعدو الأمير، وعدو العلماء، وعدو المسلمين، وعدو أهله، بل وعدو نفسه»، ويسأله: «لم هذه المجاملة».
فى نفس الوقت كان على يوسف صديقا للخديو، واشتهر بأنه «جليسه وناصحه»، حسبما يذكر أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ»..ويكشف خطابه إلى الخديو يوم 27 مارس، فى مثل هذا اليوم، 1905 عن عمق علاقتهما، ووقوفه فى صف الخديو ضد «الإمام، وسعادته لهزيمته فى الأزهر، وهى الهزيمة التى خلفت جمودا نعانى منه حتى الآن.
ينشر «عباس» نص الرسالة فى مذكراته «عهدى» عن «دار الشروق- القاهرة»، ويعتبرها من نماذج «تدخل اللورد كرومر المعتمد البريطانى فى الحياة الدينية بمصر»، وتنقل الرسالة حوارا دار بين «كرومر» ومحمد عبده فى لقاء، عرف يوسف أسراره، وينسب فيه للإمام ما يفهم أنه مديح للاحتلال الإنجليزى.
يكتب «يوسف» فى مطلع رسالته: «يعرض أخلص العبيد على أعتاب ولى النعم».. ثم يدخل فى موضوعه: «تقابلت مع محمد بك سليمان أمس، وعلمت منه أن اللورد «كرومر» استدعى لديه المفتى «محمد عبده» صباح يوم الجمعة، وتكلم معه فى الخروج من إدارة الأزهر وترك أعماله ودروسه فيه بالكلية، فقال له المفتى أنه لاموجب لذلك، وخروجى الآن عقب الخطبة الخديوية مُضربى وانهزاما تاما لى وللمحتلين الذين وضعونى فى الأزهر لإصلاحه «لاحظ هذا الاتهام للإمام».
يضيف يوسف، أن كرومر، رد: «قال اللورد يجب أن ننهزم لأن تظاهر الجناب العالى إلى هذا الحد لا يستهان به، والذى يظهر أن العلماء والطلبة ضدك والرأى العام كذلك بدليل أن المؤيد «جريدة على يوسف» سائر فى هذا التيار، وكنت تقول لى قبل الآن إن المؤيد يساعدنى ويعضدنى، فقال هو «محمد عبده» أن المؤيد حاقد على لظنه أننى كنت ضده فى قضيته، وأن العقلاء من العلماء والطلبة هم معى وإننى مستعد أن أجىء لك بمحضر يوقع عليه أكثر الأزهريين المعول عليهم، وأن الحركة القائمة الآن كلها مصطنعة ومدبرة ولاحياة لها إلا بضعة أيام ككل الحركات التى تقدمتها، فقال اللورد: مثل هذا سمعت كثيرا ولم يبق عندى ريب فى أن الجميع ضدك وما بقى ألا ننهزم».
يذكر يوسف أن المفتى حاول كثيرا إقناع «كرومر» بأن لايخرج من الأزهر، لكن اللورد رد: «إننا عولنا على أن نترك الأزهر وشأنه يديره الجناب العالى بمن يشاء، ونحن نقف متفرجين فقط، فقال المفتى لكن: خروجى الآن بعد المظاهرة فورا يكون ضررا بليغا لى ولمن معى.. فقال كرومر: أحب أن لا أسمع منك إلا جوابا إيجابيا فنترك فى الحال الأزهر وما فيه لأهله ولا تقرأ دروسك فيه بعد الآن، فأنت لا تأمن من أن تحصل حركة ضدك لا تعرف عاقبتها». يضيف يوسف، أن الراوى الذى نقل إليه هذه القصة قال له واصفا حال الإمام: «خرج الشيخ كالمغشى عليه من الموت يتمايل دوخانا لاكبرا، والحمد لله العلى الأعلى على هذا النجاح الباهر الذى توجت به أعمال وأقوال ولى النعم الأعظم حامى حمى الدين والمسلمين فى هذه الديار ومنهل العلم والعلماء من البوار».
يعلق يوسف على فى نهاية خطابه: «مولاى الأعظم، يظهر من أقوال اللورد كرومر أنهم تركوا الأزهر وشأنه إلى ماشاء الله».. ويقترح:» «الذى يهمنا الآن أن يظهر الأزهر بمظهر السائد فى طريق التقدم والنجاح، وأن يكون الذين يخلفون الخارجين من مجلس إدارته موضع ثقة الناس تدينا وعلما ودراية، وحيث إن فى فكر ولى النعم أسماء الشيخ بكرى الصدفى والشيخ عبدالرحمن فودة والشيخ مصطفى حميدة من المحكمة العليا ومحكمة مصر، فمن أحاديث أكثر الناس فى الأندية رأيت أن أعرض على الأعتاب السنية اسمين آخرين هما الشيخ حمزة فتح الله، والشيخ محمود الجزيرى، وكلاهما من أصدقاء الشيخ الشربينى من أعداء المفتى «محمد عبده».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة