يجمع الكاتب الشاب "على حلبى" بين الكتابة الصحفية والإبداعية معا، واستطاع بفضل موهبته ألا يطغى فن على الآخر، فقد أخلص للرواية كما أحب صاحبة الجلالة واستطاع أن يقدم نفسه خلالهما واحدا من أصحاب الكتابات المميزة.
يملك "على حلبي" حسا إبداعيا يتنبأ بوقائع وأحداث لا يكاد يصدقها الواقع، وتلك هي القدرة الفائقة للخيال، حين يستبق الواقع، ويحكي عنه وعن أحداث لم تحدث بعد، وهذه هى قيمة الإبداع الحقيقى، وهذا ما فعله فى روايته الصادرة حديثا عن دار "المعارف"، حيث تحدث عن وباء يضرب العالم ويهدد حياة البشر، فى أحداث تتشابه لما يحدث الآن بعد تفشى فيروس كورونا: كوفيد 19، فى عدد كبير من العالم.
"اليوم السابع" التقى الكاتب الشاب على حلبى، للحديث عن عن روايته الجديدة "زحام الموت" ومشاريعه المقبله، وكان معه هذ الحوار:
قى البداية حديثنا كيف بدأت رحلتك مع الكتابة؟
فى عام 2012 كنت الصحفى الاصغر فى تاريخ أخبار اليوم، الذى يكتب يوميات الأخبار وقد نالت استحسان الجميع، وهنا كان لابد أن أزيد موهبتى بالقراءة لمدارس مختلفة سواء الأدب المصرى والعربى أو الأدب العالمي، واستطعت التدقيق فى أسلوب كل كاتب فمثالا إحسان عبد القدوس هو الاقدر على وصف ما يدور فى النفس البشرية فيما يمتاز نجيب محفوظ بالجمل القصيرة المباشرة التى تصل بالمضمون للقارئ دون جهد.
الروائى على حلبى
قدمت روايتين الأولى "بوكا" والثانية "زحام الموت" فى رائيك ما سبب عدم تحقيق الرواية الأولى للانتشار المطلوب؟
سوق النشر فى مصر والبلاد العربية لا يرتبط فقط بالكتابة الجيدة أو الأفكار المختلفة إنما هناك عوامل أخرى مثل التسويق أو الدعاية فانتشار روايتك يقترن بقدرتك على التسويق لها عن طريق الإعلانات أو مواقع التواصل الاجتماعى وهذا يتطلب أموال طائلة لا تتحملها دور النشر إنما تقع على عاتق المؤلف، وهذا ما يجعل كتاب بعينهم يبرزون فيما هناك الآلاف من الكتاب الجيدون الذى لا يطيقون تكاليف الدعاية الباهظة فى طى النسيان.
بوكا
فى روايتك الثانية تتحدث عن وباء يدمر العالم وتتواكب أحداثها مع ما شهده العالم بسبب جائحة كورونا ما الذى حاولت تقديمه ؟
هناك أعمال فنية وأدبية تحدثت عن أوبئة ستطول العالم ولكن ما يميز زحام الموت أن الفيروس الذى أودى بحياة أكثر من 90 % من سكان البلاد العربية يتشابه كثيرا وفيروس كورونا فى طريقة خلاصه من ضحاياه وأيضا طرق انتقاله، غير أن الرواية تلقى الضوء على كيفية تعاملنا كشعوب وحكومات مع الفيروس.
لكن أحداث الرواية لم تتوقف الاحداث بانتشار الفيروس إنما امتدت إلى ما بعد ذلك.. لماذا ؟
بعيدا عن الهدف الرئيسى للرواية وهو انذار المجتمعات العربية بضرورة العلم والانفاق أكثر على الأبحاث العلمية لمواكبة ركب العالم المتقدم فـ"زحام الموت" ترصد فى شكل تخيلى تحليلى تعامل الناجيين مع الواقع الجديد فبدلا من الالتفاف حول الواقع وسرعة إنقاذ ما يمكننا إنقاذه فإن حلم الزعامة يراود معظم الأبطال، فنجد أن كل جماعة تتخذ مدينة وما حولها كمقر لها وتبدأ فى شن حروب على جماعات اخرى من أجل السيطره على الموارد، فنتحول إلى دويلات صغيره فى وطن واحد ونتجاهل الخطة الكبرى لمحونا من أجل أن يصبح أحدنا زعيما.. فعندما تتاح لنا فرصة تشكيل بناء مجتمعى جديد – وأن كان ذلك عن طريق كارثة – قوامه الديمقراطية وتقبل كل الاختلافات فأننا لا ننتبه أمام شهواتنا.
على حلبى خلال حفل توقيع روايته فى معرض الكتاب
هل تعتقد أن زحام الموت تقدم جرس إنذار للمجتمعات العربية ؟
نعم هى كذلك، فعندما يتعلق الأمر بالبقاء فهناك آمران لا يمكن إغفالهما، القوة أولا، أى أن المجتمعات القوية التى يمكنها تهديد الآخرين هى من ستبقى والأمر الثانى هو ما تقدمه هذه المجتمعات للبشريه من علم، وذلك يظهر جليا فى الفصل الرابع من الرواية عندما يجتمع قادة أحد الجماعات – الماسونية – والتى يشاع إنها الحكومة الخفية للعالم ويتناقشون حول قضية موارد الكوكب وعدم تناسبها مع السكان الذى تجاوز السبع مليارات، وهنا تناقش الجمع الذى ضم عددا من رؤساء الدول ورجال المال فى أمر الخلاص من جزء كبير، ومن ثم طرحت الخيارات بين نصف سكان الصين أو المرضى وكبار السن أو البلاد العربية، وتم الاتفاق على القضاء علينا كعرب بحجة أننا لا نقدم للبشرية ما ينفع، وأن مفرقعات بنادق متطرفينا باسم الدين تملا أحياء أو وباء، اتفقوا على محونا وتقسيم أراضينا لتكون مستوطنات لشعوبهم.
لعلك أيضا فى الرواية تنبأت بمواقف المتأسلمين بعد ظهور الفيروس فى مصر خاصة بعد حملة التكبيرات الأخيرة؟
فى "زحام الموت" كان للجماعات هذه دور كبير فى نشر الفيروس وأيضا محاولاتهم السيطرة لنشر حلم الخلافة المزعوم وهذا يختلف عن نهج الجماعات الإسلامية السياسية التى برزت عقب الربيع العربى كالاخوان والسلفيين وغيرهم.
هل هناك نية لتقديم زحام الموت فى عمل تليفزيونى أو سينمائى؟
فى بداية الأمر كنت أرى الصدمة والذهول على وجه صناع الدراما عند قراءة المعالجة الدرامية لأن موضوع الرواية يختلف عما يتم تقديمه هنا فى مصر والبلاد العربية وباءت كل محاولاتى والمخرج محمود كامل الذى تحمس لموضوع الرواية بالفشل، ولكننى أعتقد أن بعد أحداث جائحة كورونا سيتم النظر فى الأمر مرة أخرى خاصة أن الاحداث تتطرق إلى ما بعد انتشار الفيروس.
خلال الرواية تطرقت للحديث عن الجماعة الإسلامية وفى روايتك الأولى "بوكا" تناولت نفس القضية.. ما سر اهتمامك بهذا العالم؟
ظهور هذه الجماعات هو العلامة الأبرز فى السنوات الماضية ولا يمكن لأى كاتب أن يتجاهل الأمر ببساطة فهذا العالم شائك للغاية ويجب التفريق بين الجماعات الإسلامية سياسيا والجماعات المتطرفة نهجا والتركيز على الفوارق بينهما، وأعتقد أنه لابد لنا الاقتراب من العدو حتى تظهر نقط ضعفه ويتم كشفها، فى بوكا – سجن جنوب العراق – تحدثت عن داعش وآلتهم الاعلامية الضخمة وطرق جذبهم لضحاياهم من الشباب، وأيضا تقسيم جيشهم وتدرج القاده به، وما يجعلهم مختلفون تماما عن تنظيم القاعدة، فجماعة داعش كانوا وسط العامة، يقطنون فى بنايتهم ويتجولون وسطهم، وهذا ينفى الاعتقاد السائد بانهم ينصبون الخيام فى الصحراء.
حدثنى عن تجاربك المقبلة؟ وهل ستقدم جزء ثان من "زحام الموت"؟
نعم هناك جزء ثان وقد انتهيت بالفعل من كتابة الفصل الأول وسيتم فيه تأجيج صراع البقاء عند الجميع , فالموارد سوف تشح، فيما ستبحث الجماعة – الماسونية – عن الناجيين للخلاص منهم حتى لا يتم فضحها أمام العالم.. أيضا ستبرز بعض الشخصيات بالإضافة إلى الشخصيات الرئيسية متمثلة فى هنا ويوسف وراندا والعمدة، ولا يمكننى الجزم فى إذا ما كان سينتصر هؤلاء فى قضيتهم أم ستكون هناك جولات أخرى من الصراع.