المرة الأولى التى يهجم الفيروس على البشر فى عصر السماوات والرؤوس المفتوحة. نجح العالم فى إغلاق الحدود لوقف زحف فيروس كورونا، لكنه لم ينجح فى إغلاق حدود مواقع التواصل ومواقع الأخبار التى تضخ ملايين التفاصيل والمعلومات، يصعب فيها أحيانا التمييز بين الحقيقى والمفبرك. لدرجة أن بوستات عن شعرة الشفاء فى المصحف والإنجيل أو فيديو غاز السارين للرئيس الصينى، سبقت تقارير ومعلومات ونصائح مهمة عن مواجهة كورونا.
عقلاء أعادوا نشر فيديو منسوب للرئيس الصينى يقول عن كورونا وهم وأن أمريكا أطلقت غاز السارين، الفيديو باللغة الصينية، يتم تبادله مع ترجمة بالعربية والإنجليزية، ومع أنه ليس منطقيا، فقد راج وانتشر مثل كورونا نفسه. مثل فيديو يزعم أن الإيطاليين قرروا الغناء فى وداع العالم، بعد فشلهم فى العلاج، الفيديو والأغنية لاعلاقة لهما بوداع العالم، واللافت للنظر أن عددا كبيرا من رواد السوشيال ميديا نشروا الفيديو بأسرع مما ينتشر كورونا، وربما تصور بعضهم أنهم يقدمون خدمة للإنسانية بينما هم ينشرون هجصا ويضاعفون خوف ناس مرعوبة أساسا ولايحتاجون المزيد من الرعب.
للمرة الأولى نرى ميزات وعيوب عصر المعلومات بشكل تام، هناك تقنية ورصد وترصد وتبادل خبرات ونصائح ومعلومات عن الفيروس وعلاجه ومواجهته. وأيضا الكثير من الفيديوهات والمعلومات المفبركة والخاطئة، التى تجد لها سوقا فى فضاء واسع ممتد. وبعضا لا يتعدى كونه نوعا من التضليل. لا نعرف هدف بعض صناع ومروجى الأكاذيب والنصائح الساذجة، وماذا يكسبون، ربما نتفهم عقول لجان إلكترونية تنفذ حروبا معنوية هنا وهناك. لكن أن نرى أنواعا من البوستات والمعلومات لاعلاقة له بالطب أو العلم أو الإيمان مجرد هرطقات عقلية وخرافات تجد طريقها للمواطن المعذور أمام زحام من القصف اللحظى. وربما يحتاج الطب النفسى للدخول إلى عقول ناس عاديين ليسوا لجانا ولا حاقدين ينشرون هجصا ورعبا وخوفا وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا.
من علامات عصر الاتصال والتواصل والتكنولوجيا أن الاطمئنان يمشى مع الرعب فى نفس الخلطة، وأن المعرفة ليست فى كل الأحوال قادرة على منح الناس الطمأنينة، فى ظل عالم التواصل الاجتماعى الذى يتصدره الأكثر قدرة على الظهور والتأثير. والأقدر على تقديم جاذبية وتشويق ربما يخلو من أى علم. حيث العلماء والأطباء عاجزين عن الظهور والتأثير، بقدر ما يحتل الصورة الهجاصون والمفبركون وصناع الخرافات.
خلال الأسابيع الماضية بقينا فى حصار فيروس كورونا، ومعه حصار آلاف البوستات والتسجيلات التى تتناقلها مواقع التواصل وأدواته أضعاف ما تتناقل الأجسام فيروس كورونا المستجد كورفيد 19، وبقدر ما يزدحم الفضاء من حولنا بالآلاف من النصائح والأفكار والبوستات يتوه فى وسطها الكلام العلمى، ويتراجع صوت العلماء لصالح أصحاب الصوت التقنى العالى.
فيروس كورونا لا يحتاج إلى رعب فقد أصبح رعبا يمشى بين الهواء والأرض، وإذا كانت الحكومات والقادة أصيبوا بالارتباك فما بال المواطن العلمى العادى الذى يطارده رعب لا يعرف من أين ولا متى يأتيه. وربما ينجح البشر فى وقف انتقال الفيروس بالعزل والحظر، لكنهم سيجدون صعوبة فى وقف زحف المفبركات والأكاذيب.