قبل خمسة أسابيع فقط وقف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى مؤتمر صحفى، ليقول إن إيران فيها آلاف الحالات المصابة بكورونا ثم شن هجوما على النظام الإيرانى، وفى نفس الوقت.. كما غمز الصين أيضا التى كانت ولاتزال تواجه الإصابات، كما لمز النظام الصينى أيضا واتهمه بإخفاء معلومات. كان الرئيس الأمريكى مثل باقى قادة الغرب يظنون أن الفيروس يخص بعض الدول، وأن نظاما صحيا متقدما فى أمريكا وأوروبا يعطيهم ميزة عن دول العالم، لكن فيروس كورونا عابر للحدود، ولايحتاج لإذن ولا جواز سفر، ولايفرق بين دول عظمى وأخرى فقيرة، ولا يميز بين غنى وفقير، أسود وأبيض، مؤمن أو ملحد.
خلال أقل من خمسة أسابيع من خطاب الرئيس الأمريكى وسخريته من إيران والصين تغير الحال، تراجع الفيروس فى الصين، لكنها وسع هجماته فى أوروبا والولايات المتحدة، تجاوز عدد المصابين فى أمريكا 90 ألفا. وتقدمت الإصابات فى أمريكا لتسبق الصين وإيران وتتوسع فى إيطاليا وإسبانيا، وصل إلى رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، والذى وقف فى توقيت ترامب يقول للبريطانيين استعدوا لوداع أحبابكم. جونسون ووزير الصحة وقبلهما ولى العهد الأمير تشارلز أصيبوا بفيروس كورونا، ومايزال الخطر يغير اتجاهاته.
الشاهد أن فيروس كورونا يغير الكثير من التوقعات والنظريات، وأنشطة الاستخبارات، لقد نشرت صحيفة فورين بوليسى الأمريكية مقالا اعتبر التعامل مع كورونا أسوأ فشل فى تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بسبب أخطاء إدارة الرئيس دونالد ترامب. واعتبر الكاتب ميكا زينكو أن إخفاق وكالة الاستخبارات بشأن فيروس كورونا المستجد كان أسوأ من إخفاقها فى هجوم بيرل هاربور وهجمات 11 سبتمبر. وأن الاستخبارات لمن تأخذ التحذيرات الاستخباراتية من تفشى الفيروس على محمل الجد، أو إطلاق مبادرات الاستجابة لتفشى الوباء فى مختلف أنحاء أمريكا.
والواقع أن اتهام الكاتب للاستخبارات بالفشل هو استمرار لتحليلات تدخل فى سياق الكيد السياسى، ولا تختلف عن سخرية ترامب نفسه من إيران والصين. كاتب فورين بوليسى ما يزال يفكر بنفس طريقة سابقة، ويتجاهل الحقيقة الكبرى وهى أن أمريكا وقادة العالم خلال عقود تفرغوا لسباقات التسلح وخطط الحروب العسكرية والتجارية والمنافسات المتوحشة على الموارد، بينما توقفوا عن دعم الدفاعات البشرية، أو الاستماع إلى تحذيرات علماء البيئة والموارد حول أخطار الانبعاث الحرارى وإفساد المناخ، أمريكا انسحبت من اتفاقية المناخ، ورفضت الالتزامات التى طلبها العلماء، الدول الكبرى لا تستمع إلى أصوات العلماء، كورونا ليس قضية استخبارية أو عسكرية، بل هو قضية إنسانية وعلمية.
والواقع أن قادة العالم المتقدم ظلوا يفكرون بأنانية مطلقة، ظنا أنهم يمكن ان ينحجوا وحدهم ويتركوا دول الجنوب تلاقى مصيرها. هناك خطط طوارئ أعلنها الرئيس الأمريكى يعتبرها كاتب فورين بوليسى «كارثية» للتعاطى مع الخطر الداهم الذى يمثله كورونا، ويقول «على عكس خطة الطوارئ المتعلّقة بالثورة الإيرانية أو هجوم بيرل هاربر وهجمات 11 سبتمبر 2001، فإن خطة ترامب المفاجئة ناجمة عن عدم مبالاة غير مسبوقة وإهمال متعمد. لتحذيرات أجهزة الاستخبارات للبيت الأبيض، خلال يناير وفبراير ومع هذا سخر ترامب من الفيروس وقال يوم22 يناير «لقد سيطرنا كليًا على الوضع، الأمر يتعلّق بشخص واحد قدم من الصين، لقد سيطرنا على الوضع، كل شىء سيكون على ما يرام».
ومع صحة ما يطرحه بعض كتاب أمريكا، إلا أنها تدور فى سياق تفكير «ماقبل كورونا». حيث الفيروس ليس شأنا استخباريا، لكنه تهديد أجلس مئات الملايين فى بيوتهم. من أمريكا للصين إلى أوروبا ومصر. وكل مكان فى العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة