في ظل الظروف الطارئة والتي نعيش فيها الآن فيروس كوفيد 19، والتي نأمل من الحي القيوم أن يرفع عن العالم هذا الوباء، وحيث قررت منظمة الصحة العالمية بتصنيف انتشار فيروس كورونا على أنه "جائحة"، فقد أثير تساؤل عن سلطة - القاضي الإداري - في الحفاظ على الحريات العامة في مواجهة التدابير والإجراءات الاحترازية التي تتخذها السلطات العامة والتي تحد فيها من الحريات هذا من ناحية، ودوره أيضاً في حماية الصحة العامة في ظل عدم كفاية الإجراءات التي تتخذها عدد من الدول لحماية المواطنين من انتشار فيروس كورونا.
ضرورة الحفاظ على حياة العاملين فى المجال الطبى
خلال الأيام الماضية ادعت عدد من نقابات الأطباء فى العالم وعلى رأسها نقابة الأطباء الفرنسية أن الإجراءات التي يتخذها وزير الصحة الفرنسي غير كافية لمنع انتشار كوفيد 19، ولا سيما بسبب الاستثناءات التي يقدمونها لبعض الأشخاص بطريقة غير متساوية، وبالتالي فهناك خطر على الحق في الحياة والصحة للمواطن الفرنسي، لاسيما جميع العاملين في مجال التمريض والطب والمعرضين للتلوث بشكل كبير نتيجة الإجراءات غير الكافية من السلطات في فرنسا، ومن ثم يطلب الخصوم من القاضي التدخل لأن الجهات المختصة ووزير الصحة لفرض الحظر التام عن مغادرة محل الإقامة دون أي استثناءات، مالم يكن قد صدر إذن من الطبيب لأسباب طبية، ويجب أن يصدر قرار بوقف النقل العام، ووقف الأنشطة المهنية غير الحيوية، واتخاذ التدابير اللازمة للإنتاج الضخم لأدوات اختبارات الفحص والسماح بفحص جميع المهنيين في المجال الصحي.
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على كيفية تصدى المشرع الفرنسى خطة محاربة كوفيد 19 – كورونا – من خلال التعليق على قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 22 مارس 2020 بشأن سلطة القاضي الإداري في حماية الحريات العامة والصحة في مواجهة تدابير السلطات العامة أثناء الظروف الطارئة - كوفيد 19 – بحسب المستشار معتز عفيفى وكيل هيئة قضايا الدولة بمصر والخبير القانوني بحكومة دبي.
من حق وزير الصحة اتخاذ أى تدبير يتناسب مع المخاط الجارية
فى البداية – يجب أن نؤكد على أن المشرع الفرنسى منذ بداية تفاقم أزمة انتشار فيرس كوفيد 19 عقب فى تقريره القانونية بأنه يمكن لرئيس الوزراء بحكم صلاحياته أن يسن إجراءات احترازية تنطبق على كامل الإقليم الفرنسي، ولا سيما في الظروف الاستثنائية، مثل الوباء كوفيد -19 الموجود حاليا في دول العالم بالإضافة إلى ذلك وبموجب أحكام المادة L3131-1 من قانون الصحة العامة الفرنسي في حالة وجود تهديد صحي خطير يستدعي اتخاذ تدابير طارئة، ولا سيما في حالة التهديد بالوباء، فإن الوزير المسؤول عن الصحة يجوز له، بمرسوم مسبب أن يحدد لمصلحة الصحة العامة أي تدبير يتناسب مع المخاطر الجارية وملائمة لظروف الزمان والمكان من أجل منع والحد من عواقب التهديدات المحتملة على صحة السكان – وفقا لـ"عفيفى".
كما يجوز للوزير تمكين ممثل الدولة في الاقليم اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتطبيق هذه الأحكام، بما في ذلك التدابير الفردية، وبناء على هذه الأحكام، اتخذ في 16 مارس 2020 م مرسوم ينظم السفر كجزء من مكافحة انتشار فيروس كوفيد 19 ومن 4 مارس عدة أوامر من وزير الصحة، فضلاَ عن تمتع ممثل الدولة في الدائرة ورئيس البلدية، وفقًا للشروط ووفقًا للطرق المحددة بشكل خاص في القانون العام للسلطات المحلية، بسلطة اتخاذ إجراءات أكثر تقييدًا لضمان السلامة العامة والأمن، خاصةً في حالة حدوث وباء، وفي هذه الحالة، يتعين على هذه السلطات المختلفة أن تتخذ، بغية حماية صحة السكان، جميع التدابير التي يحتمل أن تمنع أو تحد من آثار الوباء، ويجب أن تكون هذه التدابير- التي قد تحد من ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، مثل حرية المجيء والذهاب، وحرية التجمع أو حرية ممارسة المهنة- ضرورية، ومناسبة إلى هذا الحد وتتناسب مع هدف الحفاظ على الصحة العامة الذي يسعون إليه.
يجوز للقاضى المستعجل اتخاذ أى إجراءات ضرورية
ومن ناحية أخرى، بموجب أحكام المادة L. 521-2 من قانون القضاء الإداري " يجوز للقاضي المستعجل - في حالة الاستعجال - أن يأمر باتخاذ أي إجراءات ضرورية لحماية الحرية الأساسية التي تعدى عليها الشخص الاعتباري للقانون العام أو منظمات القانون الخاص المسؤولة عن إدارة الخدمة العامة عند ممارسة سلطاتها، في حال كان التعدي جسيم وغير قانوني بشكل واضح. حيث يقرر القاضي تلك الإجراءات السريعة خلال ثمان وأربعين ساعة.
إن الحق في احترام الحياة الذي أشارت إليه على وجه الخصوص المادة 2 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، يشكل حرية أساسية بالمعنى المقصود في أحكام المادة L. 521-2 من قانون القضاء الإداري. عندما يكون تعدي السلطة العامة خطراً جسيماً ووشيكاً على حياة الناس، وبالتالي ينتهك هذه الحرية الأساسية بشكل خطير وواضح، ففي هذه الحالة يجوز للقاضي اتخاذ الإجراءات السريعة، بموجب الإجراء الخاص المنصوص عليه بموجب المادة 521/2، حيث يستطيع القاضي أن يضع حداً لانتهاك تلك الحريات، ومع ذلك لا يمكن لهذا القاضي، بموجب هذا الإجراء المعين، أن يأمر باتخاذ تلك الإجراءات إلا عقب بيان طبيعة الانتهاك للحريات الأساسية من خلال مراعاة الوسائل المتاحة للسلطة الإدارية المختصة والتدابير التي اتخذتها بالفعل في هذا السياق.
قرارات حاسمة أمر بها القضاء
ومن ثم فالقاضي لا يستطيع أن يأمر باتخاذ تلك الإجراءات إلا عقب بيان طبيعة الانتهاك للحريات الأساسية من خلال مراعاة الوسائل المتاحة للسلطة الإدارية المختصة والتدابير التي اتخذتها بالفعل، فإذا كانت التدابير غير كافية وفي إمكانية السلطة اتخاذ تدابير أكثر من التي اتخذتها يستطيع القاضي أن يأمر باتخاذ تتدابير أكثر فاعلية لحماية الصحة العامة للمواطنين، بل – في ظروف كوفيد 19- حماية الحق في الحياة، وفي تلك القضية أمر مجلس الدولة الفرنسي بإلزام رئيس مجلس الوزراء الفرنسي ووزير الصحة باتخاذ عدة إجراءات يجب تنفيذها خلال 48 ساعة، وتلك الإجراءات هي تحديد نطاق الاعفاء من الحجز لأسباب صحية، ومراجعة الإبقاء على إعفاء الرحلات القصيرة بالقرب من المنزل، وتقييم المخاطر على الصحة العامة للتشغيل المستمر للأسواق المفتوحة مع مراعاة حجمها ومستوى الحضور، ومن ناحية أخرى رفض القاضي الطلبات الأخرى المتعلقة بوقف نشاط النقل وزيادة الإنتاج من وسائل اختبارات الفحص، وحظر التجوال التام، ووقف الأنشطة غير الحيوية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة