لم يكن قرار غلق الكنائس وإيقاف القداسات الذى اتخذه البابا تواضروس صباح السبت الماضي إلا جزءا من سلسلة إجراءات وقائية اتخذتها العديد من الدول التى ظهر فيها وباء كوفيد 19 المعروف باسم كورونا المستجد، فالبطريرك لم يتخذ قرارا منفردا اختص به كنيسته وحدها دونا عن باقى الطوائف أو حتى دور العبادة، فكل أماكن التجمعات قد طالتها نفس القرارات التى تقلل من خطر انتشار الفيروس القاتل، إلا أن قرار غلق الكنائس كان فرصة مناسبة للتيار المتشدد للانقضاض على البابا تواضروس وتصفية الحسابات معه.
البطريرك أكد في بيانه إن هذا القرار يأتي خوفا على مصلحة الأقباط وأبناء الوطن جميعا إذ اتخذته الكنيسة بدافع مسئوليتها الوطنية والاجتماعية تجاه المصريين وهو الأمر الذى تزامن مع قرار مماثل أوقف فيه الإمام الأكبر الصلوات بالجامع الأزهر وكذلك وزير الأوقاف، بينما لفت البابا تواضروس في توضيح له عقب صدور القرار إن القداسات لن تتوقف فاستعاضت الكنيسة عن وقف الصلوات ببث قداسات يقيمها الكهنة بمفردهم من الكنائس الشهيرة مثل كنيسة العذراء الزيتون وتبث أونلاين على صفحات الكنائس بينما تتولى القنوات القبطية نقل صلوات مسجلة وعظات قديمة يستطيع الأقباط أن يتابعوها في فترة الصوم الأربعيني المقدس التي بدأت منذ ثلاثة أسابيع.
استغل المتشددون القرارات الوقائية للهجوم على البطريرك باعتباره البابا الذى توقفت الصلوات في عصره، ناسين أو متناسين إن تاريخ الكنيسة يزخر بأوقات توقفت فيها الصلاة بسبب الأوبئة وهو ما حدث حين تعرضت البلاد لوباء الطاعون القاتل في القرن الرابع عشر إذ لقى نحو 200 ألف مصري مصرعهم وفقا لما يذكره الجبرتي المؤرخ الشهير الذى لفت إلى أن وباء الطاعون ضرب أيضاً الأديرة التي كان الأقباط ينعزلون فيها عن الناس للعبادة، حيث كانت أديرة مثل دير القديس انطونيوس في الصحراء الشرقية وفي وادي النطرون في صحراء غرب النيل المعاقل الحقيقية لعقيدتهم وقال "كانت طريقة بناء الأديرة تناسب بشكل جيد الاحتياجات الغذائية للفئران الحاملة للبراغيث حيث كانت توجد طاحونة للدقيق بالقرب من أماكن معيشة الرهبان، وضربت هذه الأماكن بشدة بالطاعون، وفي حين كان يوجد 100 دير معزولة بعيداً في صحارى مصر عام 1346 كانت سبعة منها فقط تعمل عام 1450".
من بين محاولات المقاومة التى أبداها المتشددون لقرار غلق الكنائس، لجوء البعض إلى إقامة قداسات في المنازل وهو أمر بالغ الخطورة إذ يمكن لمقيمي هذه الشعائر من القساوسة أن يتسببوا في العدوى في وقت تدعو فيه كافة الدول مواطنيها إلى تجنب الزحام والتجمعات وإتباع إجراءات التعقيم.
كذلك فإن التيارات المتشددة التى اعتبرت غلق الكنائس فرصة لتصفية الحسابات مع البابا تواضروس وتوجهاته الإصلاحية، تجاهلت ما جرى في إيبراشية نيويورك ونيو جيرسي التابعة للكنيسة القبطية إذ أعلنت الايبراشية اليوم عن إصابة بعض من الكهنة وشعب الكنيسة بفيروس كورونا وهو الأمر الذى تسبب في غلق الكنائس نهائيا، كذلك فإن الانبا اباكير أسقف الدول الإسكندنافية أكد إن قبطيا يحمل الفيروس دخل كنيسة مصرية بالسويد واتخذت السلطات قرارا بغلق كافة الكنائس المصرية في الدول الإسكندنافية مع وضع كافة من حضروا هذا القداس تحت العزل الصحى وإجراء التحاليل لحين اكتشاف حالتهم.
كل هذه العوامل التى دفعت ببابا الكنيسة إلى اتخاذ قرار الغلق خوفا على صحة ملايين الأقباط ومن ثم المصريين تجاهله المتشددون الذين اعتبروا غلق كنائس مزدحمة في زمن الوباء فرصة للانقضاض على البطريرك وتشويه سمعته بينما يرى الكثير من الأقباط إن قرار الغلق جاء متأخرا بعد يوم الجمعة الذى حفل بالقداسات وبعدما تجاهل أساقفة الكثير من الايبراشيات قرارات وقف الأنشطة التى اتخذها البطريرك الأسبوع الماضي مسفهين من أمر الوباء الذى يحصد آلاف الأرواح حول العالم يوميا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة