أزمة كورونا تلزمنا جميعا أن نفكر بطريقة مختلفة ونعيد ترتيب حساباتنا أولا بأول، اعتمادا على منطق المصلحة العامة لا الشخصية، فلا يمكن أن نعتمد على فكرة أن العزل المنزلى وتجنب الاختلاط يؤثر بصورة مباشرة على عجلة الإنتاج ويدمر الاقتصاد، أو العبارات التى نسمعها هنا وهناك، فهذا تقدير غير سليم للموقف، فالعامل الصينى الذى لا يمثاله عامل على مستوى العامل – يعمل 12 ساعة يوميا – امتثل لتعليمات حكومته والتزم المنزل لمدة تزيد عن شهر، فى إطار إجراءات التصدى لجائحة كورونا العالمية.
لا يمكن أن نتحدث عن تراجع النمو ومعدلات الإنتاج فى ظل وباء عالمى ومستقبل مجهول لا يعرف مصيره أحد، ولا يمكن التنبوء بما قد يقودنا إليه، بل يجب أن يكون الحديث قائم على فكرة الوقاية والاحتراز والحفاظ على القوى البشرية والقدرات الفنية، فلا يمكن أن نخاطر بصحتهم وإجبارهم أو إقناعهم بممارسة نشاطهم والعودة إلى مصانعهم وشركاتهم بصورة طبيعية، فحينها سنفقد كل شيئ، فلن يكون هناك إنتاج، أو كوارد فنية مدربة يمكنها إدارة وسائل الإنتاج، وهذا الخطأ الكبير قد وقعت فيه العديد من الدول الأوروبية التي اعتمدت على فكرة مناعة القطيع وأن الفيروس سيأخذ دورته وينتهى ولا داع لغلق المصانع أو المدارس والجامعات والشركات، وها هى تدفع الثمن غاليا، ولا تعرف المصير المجهول الذى ينتظرها فى الأيام المقبلة، وهذا السيناريو تكرر فى بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وتعيشه الآن فى أسوأ صوره الولايات المتحدة الأمريكية.
يجب أن يكون لرجال الأعمال فى مصر دور إنسانى واجتماعى واضح يحدد أولويات هذه المرحلة، ويدرك أن المصلحة العامة تقتضى أن نتعاون جميعا من أجل البقاء والسيطرة على هذا الوباء، الذى لم يفرق بين غنى وفقير، أو العامل ومالك المصنع، لتنكشف معه كل مظاهر الضعف البشرى والإنسانى، وآلاف السنين من الحضارة والمدنية، لذلك لا يجب أن ننخدع بفكرة العمل والإنتاج والعودة إلى الظروف الطبيعية كما كنا، فالفيروس مازال يقظ إلى حد يدعو للخوف والقلق، والأوضاع الاقتصادية مستقرة وقدرتنا على تحمل الخسائر وتجاوز المحن مازالت كبيرة، في ظل إدارة رشيدة من الحكومة وتحركات واعية من جانب مؤسسات الدولة.
على كل أصحاب الأعمال أن يخططوا للقادم بطريقة أكثر وطنية وأقل نفعية، ويدركوا أن الوضع دقيق، وخارج فكرة الميزانيات والأرباح ومعدلات النمو وساعات العمل والإنتاج، بل يحتاج للمحافظة على حياة المواطنين وعدم المغامرة بصحتهم، فيجب أن نتحمل المسئولية فى أزمة كورونا العالمية بشرف وأمانة، ولا نضغط فى الاتجاه الخاطئ، ونقلل الأعباء عن الأسر محدودة الدخل والفئات الفقيرة، فهذا الفيروس يختبر إنسانيتنا قبل أدويتنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة