فيروس كورونا مثل أى أزمة أو حرب، هو خطر موحد يهاجم البشر بدون تفرقة، بين دولة متقدمة أخرى ليست كذلك، ولا بين غنى وفقير، أو مواطن وصاحب سلطة. الفيروس كشف عن اختلافات واسعة بين البشر وبعضهم، ففى حين يظهر بعض البشر بأعلى أشكال الإنسانية، بقدر ما يظهر البعض فى أكثر صور التدنى والانحطاط. تترجمها الكثير من الصور. وهذا الاختلاف فى نوعية البشر لا يختلف من مكان لآخر ولا فى دولة عن أخرى. ولا يرتبط بدولة متقدمة وأخرى نامية.
مثلا رأينا تجارا يخفون المطهرات والكمامات ويضاعفون أسعارها، ويرفعون أسعار السلع بشكل مبالغ فيه، وفى المقابل رأينا متبرعين قدموا مبادرات لمساعدة المحتاجين وكبار السن والمرضى. معلمون تطوعوا لتقديم الدروس أونلاين مجانا، وآخرون تمسكوا بالدروس الخصوصية واستغلال التلاميذ وأسرهم فى وقت شدة. رأينا موطنين فى إحدى قرى مصر يفتقدون إلى أبسط مشاعر الإنسانية ويرفضون دفن متوفاة فى قريتهم ماتت بالفيروس بالرغم من أن ابنها طبيب يعالج نفس هؤلاء الرافضين تدخلت الشرطة لمواجهة مظاهرات الجهل. وفى المقابل كان هناك من تطوعوا لتجهيز ميت لا يعرفونه للدفن. القصص البطولية لمئات وآلاف الأطباء والتمريض فى مواجهة الفيروس تواجه عدم اهتمام واستهانة من بعض العائدين من الخارج. والأمر لا يتعلق فقط بنا، حيث إن التنمر والتربص بالمتعافين أو المرضى السابقين أمر موجود فى كل مكان وهناك قصص فى أمريكا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا عن مقاطعة مرضى الفيروس المتعافين. بل والتنمر يصل للعاملين فى المستشفيات والوحدات الطبية لمكافحة الفيروس.
رأينا قصة التنمر بطبيبة حميات ومحاولة منعها من زيارة أقاربها فى مصر واستدعاء البوليس للتدخل ومواجهة المتنمرين، وفى نفس المكان ظهر من تعاطف ورفض التصرف الجاهل. هناك نفس القصة فى فرنسا سجلها مواطن على صفحته عندما طالب سكان منزل جارهم بإبعاد طبيبة تعمل فى مستشفى لمواجهة الفيروس.
حتى على مستوى الدول فقد استولت الولايات المتحدة على شحنة مواد وقائية كانت متوجهة لإيطاليا، وفى تركيا استولت تركيا على شحنة أجهزة تنفس متوجهة إلى إسبانيا. بينما كانت هناك مساعدات قدمتها دول مثل الصين ومصر واليابان لدول بحاجة إليها.
فرق بين رجل أعمال أبقى على عماله وموظفيه وحفظ رواتبهم وآخر طردهم إلى الشارع ورفض سداد مستحقاتهم، أفكار رجال الأعمال نفسها ليست واحدة، بيل جيتس يتحدث عن أن فيروس كورونا يقدم دروسا أهمها أن هناك خطرا يهدد الجميع وأن على الإنسانية التعامل بوحدة فى المواجهة، بينما هناك رجال أعمال لا ينظرون لمصالح العمال بقدر ما يرون فقط أرباحهم.
حتى على مستوى الدواء والعلاج هناك علماء وأطباء يواصلون جهودهم للتوصل إلى دواء أو لقاح للفيروس، وشركات تنتظر التوصل إلى الاختراع لتحقيق أرباح منه حتى لو على حساب البشر. مواطنو بعض الدول العربية ممن أطلقوا تصريحات عنصرية تجاه المقيمين، بينما دولة مثل الإمارات أعلنت أن الجميع متساوون فى الحقوق والواجبات، لا فرق بين مواطن ومقيم. وفى مصر ملايين اللاجئين تجرى معاملتهم على قدم المساواة ولا أحد نطق ضدهم بأى كلام جارح.
هنا الفرق فى الإنسانية، فالأزمات والأوبئة تفجر الكثير من المشاعر الطيبة من التعاون والمبادرة والتطوع، وتفجر أيضا أحط ما فى البشر من مشاعر سلبية واستغلال. وربما يكون هذا هو البشر، وحتى ما بعد الفيروس هناك تصورات لتغيير فى شكل العالم وأوليات القادة والدول الكبرى، لكن هناك أيضا توقعات بأن تكون الموعظة بعيدة وأنه ما إن تنتهى الأزمة حتى يعود العالم إلى وضعيته من النفاق والصراع والاستغلال والبحث عن الأرباح. والواقع أن الحقيقة أن الناس الإنسانيين هم دائما هكذا قبل أو بعد كورونا، بينما السيئون والمستغلون أيضا قبل أو بعد كورونا وكل ما تظهره الأزمة أنها تضع خطوطا حمراء تحت تصرفات بشر يعيشون من آلاف السنين ويستمرون إلى الأبد.