حالة تجريف مخيفة للمشاعر والقيم الإنسانية ضربت قطاعا كبيرا من المصريين، وصلت إلى درجة «البوار».. وصار هذا القطاع كالسوس ينخر بعنف فى خصوصية المجتمع المصرى، القائمة على الشهامة و«الجدعنة» والتراحم والتعاطف والترابط، واستبدلها بدس الفرقة والكراهية والتشكيك والتسخيف، وصار الاختلاف، عداء، والانتماء لتيار أو جماعة، مقدما فوق الانتماء للوطن والمجتمع.
كان المصريون يتميزون بالمشاركة والتكاتف، فعلاقة الجار للجار لها قدسية، وعلاقة أبناء الحى أو القرية تتفرد بالتلاحم والترابط والتكافل فى كثير من الأحيان، فيصير أفراح الجار، أفراح الجميع، وأحزانه، أحزان الجميع.
ويمكن الجزم بأن هناك تيارات وجماعات، وظفت أحداث 25 يناير 2011 وما بعدها، وحالة السيولة المخيفة التى خلفها الحراك، فى كافة مناحى حياة المصريين، لإدخال صفات التنمر والتشكيك والتسخيف، واللد فى عداوة الاختلاف فى القضايا الفكرية والسياسية، وصار المختلف على سبيل المثال مع نهج وأفكار جماعة الإخوان الإرهابية، عدوا للإسلام، واستثمروا مواقع التواصل الاجتماعى، فى الترويج لهذه الأفكار والصفات المشينة، إدراكا منهم، أن حياة الجماعة تزدهر وسط الانقسامات والفرقة واشتعال نار الخصومات.
تأسيسا على ذلك، فوجئ الجميع خلال الأيام القليلة الماضية، بحالة من حالات التنمر المخيفة تضرب قطاعا من المصريين، ضد المصابين بفيروس كورونا، لدرجة أن هناك أسرة رفضت استلام جثة الأم، خوفا من الإصابة بالفيروس، وهو أمر غريب وعجيب وضربة قوية فى ثقافة المصريين وعاداتهم وتقاليدهم، القائمة على «إكرام الميت دفنه».
تكرر الأمر فى منطقة «بهتيم» خلال الساعات القليلة الماضية، عندما رفض الأهالى دفن سيدة توفيت نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، وكأن الإصابة بالفيروس اللعين، وصمة عار، تجاوزت كل وصمات العار المتعارف عليها فى المجتمع، ويجب التنكر لها.
وتجلت المأساة، أيضا عندما اعترض بعض أهالى قرية «شبرا البهو فريك» التابعة لمركز أجا بمحافظة الدقهلية، على دفن جثمان طبيبة توفيت متأثرة بإصابتها بفيروس كورونا داخل مقابر القرية، بعد أن وصلت بسيارة إسعاف قادمة من مستشفى العزل فى الإسماعيلية، واندلع خلاف بين الأهالى وأسرة الطبيبة على دفنها بالقرية، وطالبوا بنقلها إلى قرية مجاورة، لولا تدخل الأمن، وتم دفن الطبيبة، التى دفعت حياتها ثمنا فى علاج وإنقاذ المصابين.
هكذا دشن بعض من المصريين خطيئة جديدة، برفض دفن الموتى، وبدلا من الاستمرار فى العمل بالقول الشائع والذى كان دستورا حاكما فى حياة المصريين، إكرام الميت دفنه، أصبح رفض دفن الموتى نتيجة الإصابة بكورونا، ضرورة، وهو أمر مقيت وبعيد كل البعد عن التعاليم والقيم الدينية والإنسانية، والشهامة والجدعنة المصرية.
لا يمكن قبول أن يصبح المصاب بفيروس كورونا، وصمة عار لأسرته والمجتمع الذى يعيش فيه، ويصير منبوذا مكروها، ونسأل المتنمرون، هل يضمن واحد منكم عدم الإصابة بفيروس كورونا يوما..؟! وهل الفيروس اللعين منتشر فى المجتمع المصرى فقط أم ظاهرة عالمية زلزلت قصور الملوك ومقاعد الوزراء وكبار المسؤولين..؟!
نعم، الفيروس اللعين يطارد المشاهير والمسؤولين، قبل البسطاء فى جميع أنحاء العالم، ولا يوجد إنسان محصن من الإصابة به، إذا لم يلتزم بالتعليمات الصحية، بقوة، ولذلك فإن ظاهرة التنمر مقيتة، وتستحق وقفة قوية من الاجماع الشعبى، ولا يمكن اعتبار المصاب بكورونا «وصمة عار»..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة