سلطت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية فى عددها الصادر اليوم الأحد، الضوء على انخفاض معدلات التلوث فى الهند بسبب إغلاق البلاد وإجبار المواطنين على البقاء فى بيوتهم خشية تفشى فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وهو ما جعل الهنود يشاهدون السماء زرقاء ويتمتعون بهواء نقي خال من شوائب التلوث التي اعتادوا عليها منذ سنوات طويلة.
واستهلت الصحيفة تقريرا لها في هذا الشأن (نشرته على موقعها الالكتروني) بالقول: إن مراسلينا من داخل أكبر إغلاق في العالم لاحظوا عدم وجود رحلات جوية، ولا قطارات ركاب، ولا حتى سيارات أجرة، وعددا قليلا للغاية مازالوا يمارسون أعمالهم.. ولكن أصبح يوجد شئ واحد بشكل وفير ولم يعتده الشعب الهندي منذ سنوات طويلة: وهو هواء أنظف وأنقى.
وأضافت: "أن الهند انخرطت في محاولة يائسة "لتسطيح منحنى" حالات الإصابة بفيروس كورونا قبل أن يطغى على النظام الصحي الضعيف في هذه الدولة التي تضم أكثر من 1.3 مليار شخص".
وتابعت:" في هذه الأثناء، فإن الإغلاق الذي دام ثلاثة أسابيع نجح في شيء آخر - وهو خفض معدلات تلوث الهواء سيئ السمعة في الهند.. حتى أن سرعة التغيير فاجأت حتى الخبراء، الذين يقولون إنه دليل على أنه يمكن تحقيق تحسينات كبيرة في جودة الهواء، وإن كان ذلك بتكلفة بشرية واقتصادية هائلة".
فبعد أيام من بدء الإغلاق في 25 مارس، انخفض مستوى التلوث الجزيئي الذي يعتبر الأكثر ضررًا بصحة الإنسان بنسبة تقارب 60 بالمائة في العاصمة "نيودلهي"، وفقًا لتحليل أجراه خبراء في مركز "العلوم والبيئة" غير الربحي.. وقد حدثت نماذج مماثلة في مدن هندية رئيسية أخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في الأوقات العادية، ظلت دلهي هي المدينة الضخمة الأكثر تلوثًا في العالم.. وخلال معظم أوقات فصل الشتاء، ظلت قراءات جودة الهواء عند مستويات تُعتبر في الولايات المتحدة غير صحية.. وفي نوفمبر الماضي، شهدت المدينة أطول موجة من الهواء الخطير منذ بدء حفظ السجلات في هذا الشأن.
واستطردت الصحيفة الأمريكية: في هذه الأيام، يضطر مواطنو دلهي إلى البقاء في المنزل إلا عند التقاط السلع الأساسية.. ولكن تعلوهم سماء زرقاء والقمر والنجوم، تُرى بدون حاجز الضباب الدخاني المعتاد.. فقال سمير دهندا، وهو مهندس معماري هندي يبلغ من العمر 26 عاما: إن المشهد مدهش للغاية لدرجة أنني أشعر برغبة في الثناء على السماء لهذا الجمال.
وفي أجزاء أخرى من الهند، أصبح من الممكن رؤية سلسلة جبال الهيمالايا من مسافة بعيدة لأول مرة منذ سنوات.. كما أن الممرات المائية التي قضى عليها التلوث الصناعي، مثل نهر يامونا في دلهي - والمليء بالرغوة الرمادية قبل شهور فقط - أصبحت تتدفق دون عوائق.
وتابعت "واشنطن بوست": "حقا، إن الانخفاض الحالي في التلوث جاء بثمن باهظ.. فقد تعطل جزء كبير من الاقتصاد الهندي، مما أجبر العمال الضعفاء على السفر لمئات الأميال إلى قراهم الأصلية سيرا على الأقدام.. وهو ما يهدد بغرق الملايين في براثن الفقر أو الجوع إذا استمر الإغلاق بعد فترة الثلاثة أسابيع الأولى".
لكن هناك خبراء أكدوا أنه لا تزال هناك دروس يمكن استخلاصها، بما في ذلك فرصة لتخيل مستقبل مختلف.. حيث قال أجاي ماثور، المفاوض الهندي السابق بشأن المناخ وعضو مجلس رئيس الوزراء ناريندرا مودي: إن انخفاض التلوث هو "دليل على إثبات نظرية أن الهواء النقي "ممكن".
وأضاف ماثور: "أن العلاقة بين السلوك الشخصي وما سوف أتنفسه أصبحت أكثر وضوحا الآن مما كانت عليه في الماضي، وتابع أن الخطوة الأولى لأي حكومة هي التأكد من أن "العدد الهائل من الهنود لديهم سبل عيش مستدامة".. ومع ذلك، فإنه يأمل أن تحدث تغييرات سياسية - مثل التخلص التدريجي من الوقود الصناعي القذر وتسريع التحول إلى المركبات الصديقة للبيئة- في عالم ما بعد كورونا!.