نواصل مع المفكر العربى الكبير "جواد على" قراءته المهمة حول تاريخ العرب وعلاقاتهم وقبائلهم وأسماء مدنهم وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" وسؤال اليوم: هل "تدمر" معناها مدينة النخل؟
يقول جواد على:
"يتصل الحديث عن النبط بالحديث عن مكان آخر له علاقة بهم أيضًا، هو "تدمر" المعروف بـ "Palmyra" عند الغربيين الذين ورثوا هذه التسمية عن الرومان واليونان.
وهو "تدمر امور" المذكور فى كتابة من كتابات "تغلت فلاصر الأول" "Tiglat- Pileser I" = "Tiglath- Piles" "1117-1080 ق. م." على رأى بعض الباحثين، وقد ورد اسم المدينة وهو "تدمر" فى عدد من الكتابات كما ورد اسم علم للأشخاص.
وقد رأى بعض الباحثين أن "Palmyra" من لفظة "Palma" اللاتينية ومعناها "نخل" "نخلة"، وأن الإسكندر ذا القرنين لما تغلب عليها أطلق عليها "Palmyra" أى مدينة النخل، وذلك لما يكتنفها من غابات النخل العظيمة، فعرفت عند اليونان واللاتين منذ لك الحين بهذا الاسم.
غير أن هذا رأى يحتاج إلى إثبات، فليس لدينا دليل من عهد الإسكندر يؤيد هذا القول، وليست لدينا حجة دامغة تثبت وجود النخل فى هذه المدينة إثباتًا يستوجب تسمية الموضع بـ "Palmyra" أى مدينة النخل.
وهناك آراء متباينة فى سبب تسمية "تدمر" بهذا الاسم، هى موضع جدل، وليس فيها رأى يمكن الاطمئنان إلى صحته وترجيحه على غيره، لذلك أترك البحث عنه إلى المراجع التى بحثته.
ويظن بعض الباحثين أن "Palmyra" هى ترجمة لكلمة "تمار" "تامار" "تمر" "Tamar" العبرانية ومعناها "نخلة" "Date- Palm"، وهى فى الأصل اسم موضع إلى الحنوب الشرقى من يهوذا ورد ذكره فى "حزقيال"، لا يعرف موضعه اليوم على وجه التحقيق .
ويرى علماء التوراة أنه الموضع الذى بناه سليمان والمذكور فى "الملوك الأول" وأن خطأ وقع قديمًا فى تعيين الموضع فجعل "تدمر"، سببه أن كتبة أسفار "أخبار الأيام" أو الكتبة قبلهم أخطأوا فى معرفة موضع "تامار" "Tamar" الواقع فى الصحراء اليهودية جنوب البحر الميت، فظنوا أنه "تدمر" المدينة الشهيرة المعروفة، وكتبوه "تدمر" فى محل "تامار".
فالأصل إذن هو "تامار". وصارت "تدمر" نتيجة لهذا التغير فى جملة المدن التى بناها "سليمان". وقد كتبت "أسفار أخبار الأيام" "Chronicles" فى حوالى سنة "300" أو "200" قبل الميلاد، لذلك يكون هذا التبديل والتغير قد ظهر فى حوالى هذا الوقت، ومنه صارت "تامار" "تدمر" ومنه أصبح معنى "تدمر" مدينة النخل، أى "Palmyra" عند اللاتين واليونان وقد ظهرت هذه الترجمة بعد تدوين أخبار الأيام بالطبع. ومنها جاءت أسطورة بناء سليمان لمدينة "تدمر" فى هذه المنطقة البعيدة عن حدود مملكة إسرائيل وعلى كل حال، فإن الذى نستنبطه من قصة إضافة "تدمر" إلى المبانى التى نسب بناؤها إلى سليمان، هو أن هذه المدينة كانت قد اكتسبت شهرة فى أيام تدوين أسفار "أخبار الأيام" وأنها كانت مدينة عامرة شهيرة فيما بين السنة "300" و"200" قبل الميلاد.
ويجوز أن تكون الشهرة التى اكتسبتها مدينة "تدمر" "تذمر" فى أيام كتبة أسفار "أخبار الأيام" هى التى حملتهم على إضافتها إلى أعمال "سليمان"؛ لأنها "بمبانى سليمان" أليق وأنسب من موضع صغير هو "تامار"، فأضافوا هذه المدينة الشهيرة إليه، لتدل على شهرته وعلى مدى بلوغ ملكه فى أيامه. وقد أضيف إلى ملك سليمان على هذا النحو من الإضافات ما لا تصح إضافته إليه، وبولغ فى ملكه وحكمه فى الأيام القديمة التى تلت أيامه؛ لأنه كان من أشهر ملوك "بنى إسارئيل"، حتى صارت أخباره من قبيل الأساطير.
وذهب المؤرخ اليهودى "يوسفوس فلافيوس" هذا المذهب أيضًا، فنسب بناء "تدمر" إلى "سليمان"، أخذ رأيه هذا من هذا الموضع من التوراة بالطبع، ومن الروايات التى وصلت إليه وكانت قد ظهرت قبله، للسبب المذكور.
أما الروايات العربية، فهى لا تفيد علمًا ولا تصلح أن تكون دليلًا، فهى روايات متأخرة دخلت إلى المسلمين من أهل الكتاب، أشاعها وروجها أمثال "ابن الكلبي" بين الأخباريين، فأخذوها بغير تحقيق ولا تدقيق. وقد ذكر "ياقوت الحموي" أن قومًا يزعمون أنها مما بنته جن سليمان، وأن أهل تدمر يزعمون أن ذلك البناء قبل سليمان بزمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة