نقرأ معا كتاب "حقوق الحيوان: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف ديفيد ديجراتسيا، ترجمة محمد سعد طنطاوى، ومراجعة ضياء ورَّاد، وصدر عن مؤسسة هنداوى، وينطلق الكتاب من فكرة هل تتمتع الحيوانات بحقوق معنوية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فما الذى يعنيه هذا؟ ما طبيعة الحياة العقلية للحيوانات؟ وكيف ينبغى أن نفهم رفاهتها؟
ويقدم ديفيد ديجراتسيا فى الكتاب إجاباته عن هذه الأسئلة، ثم يتبعها بتناول تبعات كيفية معاملة الحيوانات فيما يتعلق بغذائنا، والحدائق التى نحتفظ بها فيها، والبحوث التى نجريها عليها.
يقول الكتاب تمثلت فى جميع أرجاء العالم، المصادر الرئيسية للتفكير التقليدى حول المكانة الأدبية للحيوانات فى الدين والفلسفة، اللذين تفاعلا مع العلم فى تشكيل المفاهيم حول طبيعة الحيوانات ككائنات حية، فى المقابل، من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن الميل إلى التمييز بين الفلسفة والدين يُعتبر مسألة غربية بصورة رئيسية، فيما يعتبر التمييز بين الفلسفة والعلم مسألة حديثة نسبيًّا.
فى الغرب، دفع أرسطو بصورة مؤثرة بأن الحيوانات — رغم افتقارها إلى "العقل" — تمتلك إدراكًا حسيًّا، وأنها أقل من البشر فى المرتبة الطبيعية، ومن ثم تمثِّل موارد تلائم الأغراض الإنسانية. ونظرًا لأن الحيوانات تفتقر إلى الأرواح العاقلة، كما رأى أرسطو، لا يُعتبر تعاملنا نحن البشر معها مسألة عدالة. رأى أرسطو أيضًا أن الرجال يتفوقون على النساء بالفطرة، نظرًا لتفوق الرجال المزعوم على النساء فى القدرة على التفكير، وأن بعض البشر — نظرًا لأن قوة أبدانهم أكثر من قوة عقولهم — يصلحون بصورة فطرية لأن يصبحوا عبيدًا. من بين اليونانيين القدماء، شملت الأصوات المناهضة لهذه الرؤية الأرسطية فيثاغورث، الذى رأى أن الحيوانات ليست سوى بشر سابقين حلُّوا فى أجساد أخرى، وثيوفراستس الذى كان يعتقد فى قدرة الحيوانات على التفكير إلى درجة ما. فى المقابل، اتفق معظم الفلاسفة وعلماء اللاهوت الغربيون اللاحقون مع أطروحة أرسطو فى وجود الحيوانات بغرض استخدام البشر الذين يتميزون وحدهم بالعقل.
عزَّز الكتاب المقدس بشكل كبير الرؤية الأرسطية للحيوانات من خلال التأكيد على أن الله خلق البشر على صورته، وأننا بوصفنا بشرًا أحرارٌ فى استخدام الموارد الطبيعية — بما فى ذلك الحيوانات — لخدمة أغراضنا الخاصة.
على الجانب الآخر، من خلال إِشارة الكتاب المقدس إلى أن «جميع» البشر خُلقوا على صورة الله، شرَّع الكتاب المقدس رؤيةً للإنسانية تساوى فى الحقوق، رؤية تتعارض مع الميول الأرستقراطية للفكر اليوناني، بما فى ذلك أفكار أرسطو. فى العصور الوسطى، شدَّد الفلاسفة المسيحيون من أمثال القديس أوغسطين وتوما الأكوينى على الزعم القائل إن افتقار الحيوانات إلى العقل يبرر وقوعها فى مرتبة أدنى من البشر، وهو طرح تقبَّله معظم المسيحيين مُذَّاك. وبينما اتُّفق على أن الحيوانات تقع فى مرتبة أقل من البشر، شدَّدت اليهودية فى تراثها الأقدم أكثر مما شددت المسيحية على ضرورة تقليل الألم الواقع على الحيوانات؛ فاستنادًا إلى الفكرة القائلة إن مخلوقات الله جميعها تستحق الرحمة، تتجلى هذه الفكرة فى التعاليم اليهودية المتعلقة بذبح الحيوانات بغرض الغذاء وفى لعن الصيد من أجل المتعة فقط، ومصارعة الثيران، وقتال الكلاب. فى الوقت نفسه، يتفق الإسلام، ثالث الأديان الإبراهيمية، على أن البشر يتمتعون بأهمية فريدة، وأن الحيوانات مخلوقة للاستخدام الآدمي، إلا أن القرآن ينهى عن ممارسة القسوة ضد الحيوانات ويشير بما يثير الجدل (حسب تفسير القارئ للقرآن) إلى أن الحيوانات تتمتع بدرجة من العقلانية، فضلًا عن أن النبى محمد نُقل عنه قائلًا: «الراحمون يرحمهم الرحمن.»
بينما تكشف الفلسفة الغربية الحديثة — الحقبة الممتدة من ديكارت فى القرن السابع عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر — عن اختلافات شائقة بين فلاسفتها، فإنها دعمت لدرجة كبيرة الرؤية القائلة بتفوق البشر، وهو ما يعكس تأثير الديانة السائدة فيها، المسيحية. من خلال تكوين مفهوم عن الطبيعة باستخدام مصطلحات ميكانيكية خالصة، حلَّ العلم الحديث محل الرؤية الأرسطية السائدة للطبيعة باعتبارها تتمتع بأغراض محددة وتشبه إلى حدٍّ ما كائنًا حيًّا. إزاء هذه الخلفية، وجد رينيه ديكارت أن من الطبيعى النظر إلى الحيوانات، التى هى جزء من الطبيعة، باعتبارها آلات عضوية، لا تخلو من العقل فحسب بل من «المشاعر» أيضًا. ورأى ديكارت أنه بينما كانت الأجساد البشرية جزءًا من الطبيعة، عُثر على جوهر الطبيعة الإنسانية — التى تكشف عنها قدرة متفردة على التحدث بلسان وممارسة سلوك إبداعى — فى العقل، أو الروح، أو النفس الإنسانية، التى كانت تحظى وحدها دون أى شيء آخر فى جسد الإنسان بالوعي. ولكن بدا الزعم القائل إن الحيوانات لا تستطيع حتى الشعور بالألم مجافيًا للمنطق الفطرى فى نظر معظم الفلاسفة.
بناء عليه، أقرَّ توماس هوبز، وجون لوك، وإيمانويل كانط، وآخرون بتوافر الإدراك والمشاعر لدى الحيوانات، فيما أنكروا وجود خاصية ما — مثل العقل أو القدرة على استيعاب المفاهيم العامة — قيل إنها ضرورية لتبوء مكانة أدبية مهمة. وبالنسبة إلى الفلسفة الأخلاقية عظيمة الأثر لكانط، صار "الاستقلال"، أو التحرر من وجود حتمية الطبيعة السببية، سببًا بارزًا فى تبرير استخدام الإنسان للحيوان.
بينما هيمن بوضوح الاعتقاد فى سيادة البشر على الحيوانات على الفلسفة الحديثة، كان جليًّا أيضًا جدوى وجهات نظر بديلة أخرى. ثمة مثال مقابل فى فلسفة ديفيد هيوم الذى كان ينظر إلى التعاطف باعتباره ينبوعًا للفكر الأخلاقي، وأشار إلى أن التعاطف قد ينسحب على كائنات حساسة أخرى بخلاف البشر. فى المقابل، رأى هيوم أن فكرة العدالة تتصل فى المقام الأول بالتفاعلات بين أولئك الذين يتمتعون بقدرة متساوية نسبيًّا، وهو ما لا ينطبق على تعاملنا مع الحيوانات. ويوجد مثال أكثر راديكالية تمثَّل فى رائد الفلسفة النفعية جيرمى بنتام، الذى رأى أن السلوك القويم يتمثَّل فى تعظيم التوازن بين المتعة والألم فى نفوس أولئك الذين يتأثرون بأفعال المرء. ومشيرًا على استحياء إلى أحد النتائج المترتبة على تطبيق هذا المعيار الأخلاقى فى أحد الحواشي، شدَّد بنتام على أن مبدأ النفعية يجب أن يأخذ فى الاعتبار الحيوانات الحساسة، التى تستشعر المتعة والألم، بصورة لا تقل عن البشر. بناءً عليه، انتقد بنتام بشدة إلحاق الألم بالحيوانات بصورة روتينية باعتباره من قبيل "الطغيان" الإنسانى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة