غادرت الباخرة «كوين اليزابيث 2» ميناء «ساوثهامبتون» البريطانى إلى ميناء «أشدود» الإسرائيلى يوم 15 إبريل 1973، وعلى متنها أثرياء يهود من أمريكا وأروبا استأجروها لتبحر بهم من الميناء البريطانى إلى إسرائيل للمشاركة فى الاحتفالات بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها «15 مايو 1948»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «الطريق إلى رمضان».
يكشف «هيكل»: «فى يوم 17 إبريل، مثل هذا اليوم 1973» تلقى قائد غواصة مصرية راسية فى ميناء طرابلس الليبى إشارة تطلب توجهه لمقابلة الرئيس الليبى معمر القذافى، وراح الضابط المصرى الشاب يسائل نفسه فى عجب عما يمكن أن يكون الغرض من وراء هذا الطلب، لكنه نفذ الأمر، وذهب».
يكشف هيكل، عما دار فى هذا اللقاء، قائلا: «بسط الرئيس القذافى أمام الضابط الشاب خريطة لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وقال له فى لهجة بدا فيها الود الشديد: «إنى أتحدث إليك بصفتى مواطنا عربيا وقائدا للقوات المسلحة الليبية، أنت الآن تعمل هنا، معنا، فهل تستطيع أن تحدد موقع الباخرة «كوين اليزابيث 2» فى البحر المتوسط؟..هل من الممكن ذلك بسهولة؟.
رد الضابط بأن ذلك سهل، فكان السؤال الثانى من القذافى: «فى مثل هذه الحالة، هل يمكنك أن توجه إلى الباخرة طوربيدين وتغرقها؟.. رد الضابط بأن ذلك ممكن من الناحية النظرية، لكنه عمل خطير، ولابد أن يصدر له أمر مباشر، فقال القذافى: «حسنا، إنى أصدر الأمر إليك، وإن شئت أن يكون أمرا كتابيا فأنا مستعد لأن أكتبه لك».
يوضح هيكل، أن «القذافى» أقدم على هذا التصرف ردا على إسقاط إسرائيل للطائرة المدنية الليبية التى ضلت مسارها إلى سيناء وهى فى طريقها إلى القاهرة يوم 21 فبراير 1973، وقتل 111 راكبا من بينهم وزير الخارجية الليبية السابق صالح بويصير والمذيعة التليفزيونية المصرية اللامعة سلوى حجازى».. يؤكد هيكل: «استشاط القذافى غضبا كما هو متوقع، وكان تفكيره بالغريزة أن يرد بعمل انتقامى سريع، وكان مصمما على أن ألا تصبح ليبيا واحدة من تلك الدول العربية التى تخضع بضعف لأعمال العدوان الإسرائيلى».
كان الرد الانتقامى السريع الذى اقترحه القذافى هو ضرب «حيفا» بالطائرات الليبية.. ويكشف هيكل: «حاول الرئيس السادات تهدئته، وقال له أننا نستعد لمعركة مع إسرائيل ستكون خير انتقام لحادث الطائرة الليبية، ولغيره من أعمال الإهانة الكثيرة التى تعرض لها العرب، وأوضح له أنه إذا قامت الطائرات الليبية بضرب حيفا، فإن أكثر النتائج احتمالا أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بضرب آبار البترول الليبية، وما قد يترتب على ذلك لا يمكن أن يساعد قضية العرب».
يؤكد «هيكل»: «زاد الموقف تعقيدا بالشائعات التى انطلقت حينئذ، تقول أنه كان فى إمكان السلاح الجوى المصرى أن يخرج لإنقاذ الطائرة الليبية وإرشادها إلى طريق آمن لو أراد، وكان السلاح الجوى المصرى قد ذكر أن حالة الجو لم تكن يومها تسمح بالخروج بسرعة لعملية الإنقاذ، لكن الرد من جانب القذافى كان: إذا كانت حالة الجو سمحت للطائرات الإسرائيلية بالخروج، فكيف لا تسمح به للطائرات المصرية، وشهد اليوم الذى شيعت فيه جنازة ضحايا الطائرة فى طرابلس تظاهرات معادية لمصر، وطبع ابن صالح بويصير منشورات تتهم المصريين بالجبن، لكن القذافى أمر بالقبض عليه ووضعه فى السجن».
كان ما طرحه القذافى على الضابط المصرى استمرار لتصميمه على الانتقام.. يذكر هيكل: «عاد الضابط إلى غواصته، وأصدر الأمر إلى رجاله بأن يكونوا على استعداد للإبحار فى عملية عاجلة وسرية، وبعث برسالة بالشفرة إلى قيادته فى قاعدة الإسكندرية يبلغها بالأمر الصادر إليه، وذهل قائد البحرية فى الإسكندرية مما سمعه، واتصل بالفريق أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة، فاتصل بدوره بالرئيس السادات الذى أعطى تعليماته بإصدار الأوامر إلى الضابط بعودة الغواصة إلى الإسكندرية».
يؤكد هيكل أنه تلقى اتصالا من السادات، قال فيه: «يبدو أن القذافى يريد أن يضعنا فى مأزق، وشرح له أن عملا مثل هذا سينجم عنه مضاعفات دولية، وأنه لن يبلغ القذافى بالإجراء الذى اتخذه، بل سيقول له أن قائد الغواصة لم يستطع أن يحدد موقع الباخرة فى البحر، وبالتالى لم يستطع تنفيذ الأمر الصادر إليه بإغراقها».
يكشف هيكل: «الرواية لم تنطل على القذافى، ولم يستطع أن يفهم كيف يسمح لإسرائيل بأن تسقط طائرة مدنية فى رحلة بريئة ويمنع الرد عليها بالمثل، وكان شديد التأثر لما حدث».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة