- عودة الخلايا الإرهابية للنشاط فى ظرف استثنائى يؤكد العداء للمواطن نفسه وليس الدولة والمؤسسات
- دفاع الإخوان عن إرهابيى الأميرية بسيناريوهات ساذجة يفضح ارتباط تلك العناصر بالجماعة
-
شائعات قنوات اسطنبول وتحريضها لاستغلال الوباء دليل على اليأس واعتراف بالفشل- إطلاق دعوة مشبوهة لسلخ سيناء عن جسد الدولة يتلاقى مع أفكار الإخوان ويخدم سياسات إسرائيل
-
تكثيف نشاط المنصات القطرية والتركية للرسائل الدعائية وجه آخر لخطاب الإرهاب المدعوم من البلديننحو سبع سنوات لم تهدأ فيها ماكينة الإرهاب، منذ اتخاذ الشعب المصرى قرارا بإطاحة جماعة الإخوان الإرهابية من السلطة، واعتراف قيادات التنظيم وفى مقدمتهم محمد البلتاجى بأن الاستهداف المفتوح للدولة ومؤسساتها لن يتوقف ما لم يستعيدوا الحُكم. أنجز المصريون إرادتهم، ومضى الإخوان فى المسار الذى اختاروه وهددوا به الجميع!
بدأ الأمر بصورة واضحة ووجه سافر، عبر أعمال عنف منظمة وهجمات إرهابية مخطط لها، اتخذت لاحقا أشكالا أكثر تنظيما من خلال تدشين مجموعات مسلحة مثل حسم ولواء الثورة وغيرهما. فى مرحلة تالية اعتمدت قيادات الجماعة الهاربة عبر الحدود الجنوبية إلى السودان، ثم قطر وتركيا وماليزيا وبعض دول أوروبا، خطابا دعائيا موازيا للإرهاب الحركى المتواصل من خلال مجموعات التنظيم والمتحالفين معه من تيارات الإسلام السياسى وفلول الجماعة الإسلامية، ومجموعات القاعدة وداعش التى سهلوا عبورها إلى سيناء أو خططوا لتدفقها المنتظم عبر الحدود الغربية. شاع هذا الخطاب الناشئ فى بدايته من خلال نوافذ الحلفاء المتاحة، سواء عبر شبكة الجزيرة والمنصات الممولة من نظام آل ثانى، أو عبر وكالة الأناضول والتليفزيون التركى TRT والعلامات المقربة من نظام العدالة والتنمية مثل ترك برس وينى شفق، قبل أن يتطور إلى تدشين مساحات خاصة بالتنظيم، أو منصات ذات ارتباط مشترك بالجماعة والممول، كما هى الحال مع شركة فضاءات ميديا ذات التوجه القطرى، وإصداراتها المتمثلة فى تليفزيون العربى ومواقع عربى بوست وعربى 21 وميدل إيست آى وغيرها، فضلا عن شبكة من المدونين وقنوات الفيديو وثيقة الصلة بالخطاب المتفق عليه بين الجماعة ورعاتها ومموليها!
نشط الحركيون على الأرض عبر سلسلة من العمليات الإرهابية الممتدة منذ 2013 حتى وقت قريب، بينما كان دور القاعدة الإعلامية الضخمة، من خلال منصات الجماعة والداعمين وقنوات المحتوى المصور ولجان العمل الإلكترونى، تقديم المساندة الدعائية والنفسية لخلايا الإرهاب المباشر، وترويج الشائعات والاختلاقات بحق النظام ومؤسسات الدولة، وغسل أيدى الجماعة من العمليات الإجرامية المتتابعة، مع الاجتهاد فى تبرئة من يسقط من عناصرها، وتغذية خطاب عاطفى عن المظلومية والبراءة ووطنية الإخوان. استمرت الهجمات وتراكمت روايات الجماعة، مستندة إلى تكامل جهود الإرهابيين فى الشارع أو أمام الكاميرات ومن وراء الشاشات!
تطور خطاب العداء والإرهاب
فى المرات التى ضُبطت فيها وجوه الإخوان متلبسة باعترافات قاطعة بالمسؤولية عن الإرهاب، كانت تدعى أن هذا المسلك مواجهة مع الدولة ومؤسساتها بعيدا عن عامة الناس، مثل تصريحات على بطيخ وأشرف عبد الغفار وغيرهما عن سلمية استهداف أبراج الكهرباء والمنشآت الخدمية. فى الوقت نفسه كانت الجماعة توظف خطابا هامشيا عن الوطنية والهوية والالتزام بالمصالح المصرية العليا. لكنها تحت تأثيرات الفشل المتلاحق، أو ربما بضغوط من الممولين، طورت أنشطتها العنيفة أو رسائلها الإعلامية، لاستهداف الوطن بصيغته الاجتماعية والإنسانية، ليتحول العداء إلى طلقات مباشرة فى صدور الناس، من دون تجميل أو مواربة.
الجماعة التى اجتهدت طويل لنفى علاقتها بأية أنشطة حركية أو عمليات إرهابية، استماتت فى الدفاع عن طابور طويل من المتطرفين المنتمين إليها أو الطالعين من تحت عباءتها، ومرة بعد أخرى تُفصح الوقائع عن الروابط المُراد إخفاؤها، إما بإصدار داعش بيانا ينعى فيه شابا إخوانيا اسمه "عمر" انضم للتنظيم بمباركة الجماعة، أو توافر أدلة دامغة على تورط عناصر الإخوان فى استهداف أكمنة ومنشآت وأفراد، وصولا إلى حادثتى النائب العام ومعهد الأورام اللتين لا تحتملان الشك!
ربما يرى البعض فى الأمر تطورا حادا لخطاب الإرهاب الذى اعتمدته الجماعة وسيلة للصراع مع مؤسسات الدولة فى بادئ الأمر، ثم طورته إلى النيل من الناس باعتبارهم القوة المحركة لطرد الإخوان من السلطة. فى الحقيقة تبدو جذور التطور أبعد كثيرا من محطة ما بعد يونيو 2013، إذ انحازت الجماعة بعد سنوات قليلة من تدشينها، وفى عصر مؤسسها حسن البنا، إلى الدمج بين استهداف المؤسسات بشكل مباشر، وتوجيه ضربات ذات آثار اجتماعية بغرض شحن الشارع وتثويره، أو هكذا يتصورون، ومن تلك النوعية كانت وقائع تفجير حارة اليهود وحى الموسكى وحرق محلات ودور سينما، واغتيال ضباط وقضاة وصولا إلى حادثة "السيارة الجيب" بدءا من الثلاثينيات حتى أواخر أربعينيات القرن الماضى.
تعاملت الجماعة وفق فهم "البنا" باعتبارها نواة مغلقة لما يجب أن يكون عليه العالم تحت لواء "الأستاذية". وبهذا الوعى المغلق ذى الطبيعة التوراتية، يرى الإخوان أنفسهم شعب الله المختار بينما الآخرون جميعا من الأغيار، الذين يجوز بالضرورة اعتمادهم كأدوات فى سبيل إنجاز المخطط العقائدى السامى من وجهة نظرهم، أو اتخاذهم دروعا أو حتى قرابين تحت حذاء الفكرة المقدس. الوعى نفسه انتقل من دماغ البنا إلى أفهام الأجيال التالية، فكان مبررا لاحقا لكثير من ممارسات التقية والتمترس، التى تجلت فى خداع الرئيس السادات بخطابات الوسطية والعودة عن التشدد، بينما كانت تستكمل ترتيب صفوف النظام الخاص أو تفريخ أذرع دموية من خلال تيارات أخرى ملحقة بالجماعة، كما فعلت بإيفاد رجلها عبد المنعم أبو الفتوح للمشاركة فى تدشين الجماعة الإسلامية ثم السفر إلى أفغانستان وتوطيد الروابط مع طالبان ومجموعات الجهاديين الملتحقة بها من بلدان أخرى. والمنطق نفسه خدعت الجماعة أحزاب الوفد والعمل والكرامة وغيرها بدءا من تحالفات القوائم الانتخابية بالثمانينيات حتى انتخابات 2011، وبه أيضا تلاعبت بالجميع بإعلان موقف محايد من سباق الرئاسة وإضمار عكسه تماما، وصولا إلى اختطاف السلطة كاملة فى يونيو 2012.
هكذا لا يبدو أن خطاب الإرهابى قد تطور فى المرحلة التالية للخروج من مصر، وإنما استعادت الجماعة ممارساتها المعتادة طول تسعة عقود، ولأنها فقدت بيئتها التقليدية وانكشفت تحالفاتها وطابورها الخامس فى التيارات الأخرى، بدت الأمور أكثر وضوحا، وكأنها تحول مستجد فى بنية الفكرة وممارساتها الحركية. وكل ما فى الأمر أن الخطاب المخادع بات كتلة واحدة للمرة الأولى، بعدما كان موزعا على مركز وعشرات الأطراف، التى أدمنت الجماعة توظيفها فى اختراق الأحزاب والنقابات ودوائر الأفكار والتيارات المغايرة!
أقنعة الجماعة المراوغة
لعبة الأقنعة التى احترفها الإخوان اتخذت وضعية مغايرة فى مرحلة ما بعد النزوح. التنظيم الخاص الذى تولى الأعمال العنيفة قديما أصبح طيفا واسعا من الخلايا الصغيرة المتصلة والمنفصلة فى آن. الوجه الرسمى غادر مكتب الإرشاد وصحفه المستأجرة مثل آفاق عربية إلى مراكز بديلة بالدوحة وأنقرة وكوالالمبور وعواصم أوروبية مع قائمة من القنوات والمنصات الإعلامية، أما الوجه المراوغ الذى ظهرت به الجماعة سابقا عبر طابور خامس من المنتمين الذين دفعتهم لاختراق التجمعات والتيارات المضادة للتنظيم، فقد توزع على خارطة ممتدة من الحلفاء تحت عناوين ملتبسة تدعى الحيادية، مثل إعلام قطر وتركيا والإصدارات الممولة منهما بالخارج وشركات العلاقات العامة والمساحات المدفوعة فى صحف وقنوات عالمية، أو من خلال حلفاء ظاهرين ومستترين من توجهات سياسية عدة، كحال الليبراليين أيمن نور وسليم عزوز أو الناصرى أحمد حسن الشرقاوى، وغيرهم من تلك التيارات بالداخل!
على تلك الأرضية تتكامل مكونات خطاب الإرهاب بصور متنوعة: عملية مسلحة تنفذها خلية تابعة للتنظيم، ثم رسالة دعائية لترويج الحادثة وتبرئة التنظيم وتكثيف المعالجات الساعية إلى تعميق الآثار النفسية لتلك الأنشطة وضرب التماسك المجتمعى وثقة الناس فى الدولة والمؤسسات، وأخيرا مقالات وبيانات وأطروحات وأفكار يُطلقها الحلفاء الظاهرون والمستترون، قد تبدو فى النظر العابر بعيدة عن مسار الجماعة وتوجهاتها، لكنها فى الفحص العميق تتكامل مع تكتيكات الخطاب الإخوانى واستراتيجياته الساعية إلى خلخلة التماسك المؤسسى والنفسى، واستقطاب مزيد من الحلفاء الواعين أو المحايدين، على أرضية تتصل بالتنظيم فى جزء بما لا يسلبه فرصة التجارة بالمكاسب المحتملة، وتنفصل عنه فى أجزاء بما يضمن ألا تتشوّه بالنسبة المباشرة للإخوان مع ماضيها وحاضرها وما يترسخ فى الوعى العام من رفض شعبى واسع للانخراط معها فى مسار واحد!
فى ضوء تلك الأقنعة الثلاثة، يصبح ميسورا للراغبين فى تفكيك خطابات الإخوان وشبكة تحالفاتهم، التمعن فى المواقف واستجلاء بواعثها وآثارها المحتملة وحدود تلاقيها مع رؤى الجماعة وغاياتها. والرابط المتين فى تلك النقطة، والفيصل فيما يخص الاتصال بالتنظيم أو الانفصال عنه، يتحدد فى ضوء الفكرة المركزية عن تطور خطاب الإرهاب، الذى لم يعد يفصل بين الصيغتين المؤسسية والاجتماعية للدولة، بمعنى أنه يستهدف خصومه والمواطنين العاديين بالدرجة نفسها التى يعادى بها النظام وهياكل الحكم ويسعى إلى تقويضها. تلك النظرة الموحدة تُسقط بالضرورة كل الاعتبارات الخاصة بسلامة الناس أو طبيعة الظروف الاستثنائية، بل إنها تتعمد استغلال تلك الظروف باعتبارها مدخلا سهلا لتحقيق أهدافها، لا سيما وأنها تنظر للجميع بوصفهم أعداء ولا تتورع عن الإضرار بهم دفعة واحدة!
اسطنبول - الأميرية - سيناء
وفق المعطيات السابقة ربما يُمكن قراءة ثلاثة مشاهد حديثة على وجه أكثر دقة وتعبيرا. الأول يخص الخلية الإرهابية التى رصدتها الأجهزة الأمنية فى منطقة الأميرية شرقى القاهرة، والثانية خطاب الإعلام الإخوانى والموالى للجماعة بشأن وباء فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، والثالث دعوة مشبوهة أطلقها شخص مجهول لسلخ سيناء عن جسد الدولة المصرية.
فى الأولى، لا تُمثل الحادثة طفرة مستجدة ضمن مسار الإرهاب الإخوانى، إذ لم تنقطع هجمات الجماعة وحلفائها طيلة سبع سنوات، بل إن خفوتها فى بعض الفترات وقع بتأثير الضربات الأمنية ولم يكن تحولا فى مواقف الإخوان. لكن العودة الراهنة بتلك النوعية من الأعمال وسط ظرف استثنائى تركز فيه الدولة والمواطنون على الوباء ومواجهته، تنسف ادعاءات الجماعة السابقة عن الفصل فى صراعها بين الدولة والمواطن، لتؤكد الحادثة أن مخطط الإخوان يستهدف الجميع بالتساوى، فضلا عن ملمح آخر يشير إلى تعالى حدة اليأس والشعور بالفشل لدى التنظيم، إلى حد تنشيط الأذرع الحركية فى ظرف تبدو فيه الأجهزة الأمنية فى أعلى حالات اليقظة والجاهزية والانتشار على امتداد حيز الدولة.
الفكرة السابقة يؤكدها نشاط أذرع الجماعة الإعلامية لاستغلال وباء كورونا، وإشاعة أرقام واختلاقات عن واقع الأمور فى مصر، بل تطور موقفها إلى دعوة وجوه مثل بهجت صابر وحمزة زوبع ومحمد ناصر ومعتز مطر وعماد البحيرى وأحمد سمير وأحمد عطوان لنشر العدوى وتهديد الاقتصاد وعدم الالتزام بتوجيهات الأجهزة المعنية بالأزمة. فضلا عن المزايدة على الدولة فى قرارات إغلاق دور العبادة أو الاكتفاء بحظر جزئى للتجول أو الإبقاء على تشغيل بعض المشروعات والحفاظ على قدرات إنتاجية كافية لتلبية الاحتياجات اليومية، وفى المقابل فإنهم يروجون خطابات دعائية للنظام التركى رغم أن أنقرة أغلقت المساجد ولم تفرض حظرا كليا، وسجلت نحو 80 ألف إصابة و2000 حالة وفاة، مقابل أقل من 3 آلاف إصاب ونحو 200 وفاة تقريبا بمصر.
سعت تلك المنصات أيضا إلى ترويج سردية ساذجة عن خلية الأميرية الإرهابية، لغسل يد التنظيم والهروب من فشله الجديد، بادعاء أنها مجرد عملية سطو على مصرف أو شركة صرافة، بينما لا تشهد مصر مثل تلك الجرائم فى الأيام العادية، وليس فى فترة استثنائية تنشط فيها الأجهزة الإرهابية وتخفت معدلات الجريمة. تلك الرواية المختلقة من دون دليل أو مقاربة فعلية لساحة الواقعة، تنطوى على تأكيد ضمنى لارتباط تلك العناصر بالإخوان، بالطريقة نفسها التى حدثت فى جريمتى معهد الأورام واغتيال النائب العام الأسبق المستشار هشام بركات، بعدما استماتت الجماعة فى نفى علاقتها بالواقعتين قبل أن تثبت الأدلة الدامغة واعترافات المتهمين وتحاليل الحمض النووى انتماء منفذيهما للتنظيم. بالتزامن نشطت منصات قطر وتركيا فى تغذية الخطاب الإخوانى عن أوضاع كورونا فى مصر، فى وقت يواجه البلدان أزمة أكثر حدة، وتتضاءل نبرة التوظيف السياسى للمحنة الإنسانية لدى كل الأطراف، وهو ما ينطوى على إشارة أخرى غير مباشرة لحجم اليأس والفشل الذى يستشعره رعاة الإخوان، وآثار الشقوق والتصدعات التى ضربت جدار الجماعة خلال الشهور الأخيرة، وتُؤذن باحتمالية تفكك تلك التحالفات أو تقلص المساندة الواسعة من الدوحة وأنقرة.
شبهة جديدة وتحالف غير معلن
المشهد الثالث حملته دعوة مبنية للمجهول، تبنى صاحبها رؤية تمزج بين موقف الإخوان من سيناء، وأطماع إسرائيل التى سعت من قبل لتدويل أرض الفيروز بعدما نجحت مصر فى عبور القناة وتحقيق انتصار عسكرى قاسٍ بالعام 1973. ملخص الفكرة التى أثارت جدلا واسعا، الدعوة لإقامة نظام فيدرالى تنفصل فيه إدارة سيناء عن مؤسسات الدولة، وفق صيغة كاملة الاستقلال فى التخطيط والمشروعات والمالية العامة، عبر تعيين حاكم لـ"الإقليم" بحسب تعبيره، بحيث لا يجمعه بالدولة سوى السياسة الخارجية وأمور الدفاع والحدود.
جوهر الفكرة لا يختلف كثيرا عن مخططات جماعة الإخوان الإرهابية لسيناء إبان اختطافها للسلطة السياسية فى مصر. سعى التنظيم إلى فتح مسار ملتوٍ يقود إلى توطين مجموعات من الفلسطينيين "قاصدا بالأساس أعضاء فرعه فى حماس" كمقدمة لتغيير المعادلة الديموغرافية، طمعا فى اختلاق وتغذية دعوات انفصالية فى المستقبل. وبعدما فشلت تلك المؤامرة بفضل تماسك مؤسسات الأمن القومى، ثم الإطاحة بالجماعة من الحكم، اتخذ المخطط شكلا مغايرا عبر تنشيط الأذرع المتطرفة ومحاولة فصل سيناء عن الجسد الأم بالإرهاب والدم. ما يقوله المجهول الآن أقرب إلى مخطط التوطين، كما أنه قد يُمثل مرتكزا لتغذية أطماع الساعين إلى سيناريو الفصل!
غرابة الفكرة وشبهتها أنها تأتى فى ظرف حرج. بين جهد دؤوب ومتصل لتصفية ما تبقى من فلول الإرهاب، وانشغال حقيقى لكثير من مؤسسات الدولة فى معركة السيطرة على الوباء، بينما تتصل فى الوقت ذاته قناة عريضة فتحتها الدولة على سيناء، عبر إنجاز حزمة من الأنفاق والجسور العائمة لربط ضفتى القناة، وتنفيذ عشرات من التجمعات السكنية والمصانع ومحطات تحلية المياه ومشروعات استصلاح الأراضى، لتبدو تلك الإطلالة المشبوهة فى الظرف الراهن اصطيادا فى ماء الوباء العكر، وتلاقيا لرؤية الإخوان مع أطماع تل أبيب وطابورها الخامس من بعض السياسيين والمثقفين ورجال الأعمال، وتحفيزا لخطابات الإرهاب الآخذة فى الخفوت، وصرفا غير موضوعى للنظر عن مكونات التنمية المستحدثة فى سيناء، وما يمكن أن يتأسس عليها من دمج فعال لقدرات التوطين والتشغيل والإنتاج المتاحة فى المركز والأطراف.
استيراد هذا الخطاب الفيدرالى المُقنّع وسط تلك الأجواء، يبدو محاولة للتسرب من شقوق الالتباس الراهن، ودعوة إلى البتر أكثر من كونه تطلعا للتنمية الجادة والحقيقية. فضلا عن تهافت الطرح وسذاجته المفرطة، كأن يدعو لتفكيك البناء العضوى بينما يستشهد بأفكار جمال حمدان، الذى تركزت مقارباته على تاريخية الدولة المصرية ذات الطابع المركزى غير القابل للتفكّك. هنا قد لا يكون الأمر مجرد جهل أو سيولة فى فهم مقاصد عالم الجغرافيا البارز، وإنما يلامس حدود الهوى والسعى لأهداف غير معلنة، فلا يُمكن توظيف اسم مُنظّر الجسد الواحد "جمال حمدان" لترويج فكرة الأجساد المتلاصقة، إلا لو كان مُنطلق الفكرة وصاحبها سياسيا لا تنمويا، ومساعيه تستهدف "حمدان" نفسه، وما يُمثله من تجلٍّ عميق لقيم الهوية الوطنية، استهدافا يحاول الضرب فى صميم فكره عن الجغرافيا الإقليمية عموما، والمصرية بالتحديد. فضلا عن أن تلك التجربة الفيدرالية جرى اختبارها فى سياق إقليمى مقارب، وكانت سببا فى خلخلة تماسك المجتمع العراقى وتعريضه لمخاطر الفُرقة والتقسيم، مع إدارة ذات طابع مستقل فى كردستان، ومساع لدى آخرين لتكرار التجربة شرقا وغربا وجنوبا، والأمر نفسه يتكرر مع مخاطر شبيهة تهدد الشمال السورى أو الجنوب اليمنى. فهل كان صاحب الدعوة قاصدا ذلك الارتباك الموزع بين توافق الإخوان مع حماس والإسرائيليين من قبل؟ وهل ينحو إلى هذا المنحى من منطلق تنموى، أم لغرض يتصل بالأثر المادى والمعنوى للفيدرالية فى المديين المتوسط والبعيد، بما قد يُيسِّر الوصول إلى غاية مُضمرة لم يُفصح عنها؟!
لعبة العملاء والوكلاء
تندرج ضمن الرؤية نفسها أنشطة طيف واسع من اللجان الإلكترونية النشطة فى ترويج الشائعات بشكل عام، أو تضخيم أزمة كورونا على وجه التخصيص. إضافة إلى أدوار الأجنحة الفردية من خلال المدونين ومنشئى المحتوى الممولين من خلال مسارات الجماعة أو عبر رعاتها، مثل: عبد الله الشريف الذى سعى خلال الفترة الأخيرة لخلق حالة من الشحن ضد مؤسسات الدولة، أو أحمد بحيرى وصابر مشهور وتامر جمال والشاب أشرف وغيرهم، ممن يشتغلون على حالة التضليل والتشكيك والحشد والسخرية، فى مقابل تجاهل كامل لأوضاع أشد وأكثر مأساوية وعلى مرأى ومسمع من أغلبهم فى الدوحة واسطنبول.
ارتفاع منسوب الدعاية الإعلامية المضادة لمصر فى قنوات الجماعة بالتزامن مع توظيف تركيا وقطر لأزمة كورونا سياسيا، وتخطيط عملية إرهابية ضد الأقباط وسط محنة الوباء والضغط النفسى الذى يعيشه المصريون، يجردان خطابات الإخوان من كل الادعاءات المستهلكة عن الفصل بين الدولة والشارع، أو عن الوطنية واستقلال التنظيم، إذ إن تلاقى الرؤى مع تدفق التمويل يؤكد العمالة العمدية الكاملة من دون شك أو مواربة، وبالمثل فإن فكرة المجهول المشار إليه عن بتر سيناء، رغم الظرف الوطنى الراهن، وفى إطار حرب مكثفة من جناح قطر/ تركيا، وبالتزامن مع مساعى الإدارة الأمريكية وإسرائيل لتمرير تسوية غامضة للقضية الفلسطينية، تضع الأمر فى حيز الدعم للجماعة التى أطلقت مشروع البتر الأول، والوكالة لقوة الاحتلال المستفيدة من أية صيغة شبيهة.
أخطر ما تنطوى عليه كل تلك الشواهد، أن اتساق المواقف وتزامنها بين عصابات الخارج، وبعض الأصوات التى يُمثلها المجهول صاحب دعوة سيناء بالداخل، تُشير إلى اتصال المصالح بين عن عملاء نظامى الدوحة وأنقرة، ووكلاء تل أبيب الممتلئين بمحبة غامرة لجيران الحدود الشرقية، فضلا عن شكوك لا يُمكن تجاوزها بسهولة، بشأن ارتباط هذا المجهول بمركز الجماعة أو أى من أطرافها، لا سيما وقد اعتمد الإخوان آلية العناصر الكامنة لدى جهات وتيارات مناوئة لعقود طويلة، ما يُحتمل معه أن يكون هذا المجهول أحد جواسيس الجماعة أو المتعاونين معها، وهذا التصور يُغلق الدائرة ليضع عملاء قطر وتركيا مع وكلاء تل أبيب فى سلة واحدة، ويكشف أن مشارب العنف والإعلام الدعائى والأفكار السوداء فى هذا الظرف الاستثنائى واحدة. مجرد مناورات شكلية يُبدّل الإرهاب إطلالته من خلالها، وأقنعة ثلاثة تضعها جماعة الإخوان الإرهابية؛ لتبتكر وجها خادعا للعوام المشغولين فى محنة الوباء، وتُضلّل العالمين بتاريخها الأسود مع الأقنعة وكره الجميع منذ شيطانها المؤسس حسن البنا!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة