اتخذ حاكم مصر محمد سعيد باشا، الابن الرابع لمحمد على، والذى تلقى تعاليمه فى باريس، قرارا بإنشاء مجلس تجار مختلط من المصريين والأجانب، وقد تسرب من هذا المجلس القانون الأجنبى ليحل محل المعاملات فى الشريعة الإسلامية، فى مثل هذا اليوم 18 أبريل من عام 1855م، جاء القرار ضمن الامتيازات الأجنبية التى أعطاها سعيد باشا ومن بعده ابنه الخديوى إسماعيل، من أجل حفر مجرى قناة السويس العالمى، فهل حقًا ساهمت باريس فى حفر القناة؟
كان "سعيد" الذى تولى الحكم من 24 يوليو 1854 إلى 18 يناير 1863 تحت حكم الدولة العثمانية، يثق ثقة عمياء فى نزاهة ملوك أوروبا، وفرنسا بالذات، على عكس مؤسس الأسرة العلوية محمد على الذى كان شديد الحذر من ناحية الأطماع الأوروبية، ولم يكن يحسن الظن بهم، ولا يسمح لهم بالتغلغل فى شئون البلاد تحت ستار المشروعات والمصالح المشتركة وعمل على حماية الاستقلال الوطنى من الوقوع فى براثن النفوذ الأوروبى، رفض محمد على بشدة مشروع شق قناة السويس حين عرضه عليه "فرديناند دليسيبس"، وذلك حسب ما جاء فى كتاب "محمد على وأولاده" للباحث جمال بدوى، والصادر عن مكتبة الأسرة.
كتاب محمد على وأولاده
فى عصر "سعيد" نجح دبيسيبس فيما فشل فيه أيام أبيه، واستغل ضعف شخصية الوالى الجديد وأنبهاره الشديد بالحضارة الفرنسية، وصداقته الحميمة مع الإمبراطور نابليون الثالث، فى الحصول على امتياز شق قناة السويس وإبرام عقد يلزم الحكومة المصرية بأعباء فادحة، ولم يتريث سعيد فى دراسة بنود العقد وتمحيص ما يحتويه من مظالم، وأسرع بتوقيع العقد ثقة منه فى سلامة النوايا الفرنسية.
وأوضح كتاب "محمد على وأولاده"، أن المؤرخ إلياس الأيوبى ذكر معلومة مهمة، وهى أن سعيد باشا قدم إلى صديقه دليسبس عند بدء المشروع كل المتوافر عنده من المال، وقدره 500000 ألف ريال، وتحمل على نفقته الخاصة تكاليف حفر ترعة المياه العذبة التى قامت الشركة بإنشائها بأيدى المصريين، حتى إذا فشلت الشركة فى تسويق الأسهم الباقية المعروضة للبيع، أخذت الشهامة سعيد باشا فاشترى الأسهم وأنقذ الشركة من إخفاق محتم، وأنه ولولا وقوف سعيد باشا، بجهده وماله وسلطانه، إلى جانب صديقة الحميم، لما رأى المشروع النور ، وتكشفت خبايا المشروع وما فيه من تعدى على الحقوق المصرية، وبعد أن انهالت أصوات النقد وملام على سعيد باشا لتفريطه فى مصالح البلاد، لم يسع سعيد إلا أن يعترف بخطئه وتسرعه فى توقيع عقد الامتياز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة