في الحلقة الثالثة من برنامجه الوثائقي " حقيقة في دقيقة" يكشف الكاتب الصحفي/ شريف عارف عن أسرار الشهور الاخيرة قبل رحيل المندوب السامي البريطاني اللورد اللنبي (1861 - 1936) عن مصر في عام 1925.
يقول الكاتب شريف عارف ربما كانت أقسي وأعنف الشهور في حياة " اللنبي"، تلك الأخيرة التي قضاها في منصبه كمندوب سامي لبريطانيا العظمى بمصر قبل مغادرته للبلاد نهائيا عام 1925. ففي هذه الشهور شهدت الحكومة الوطنية برئاسة سعد زغلول، أعنف هجمة تستهدف العمل الفدائي وهيكل التنظيم السري الذي لم تتكشف أبعاده حتى بعد وصول سعد ورجاله الى الحكم.
في وضح نهار يوم 19 نوفمبر عام 1924، وفي تقاطع شارعي القصر العيني وإسماعيل أباظة (الطرقة سابقاً) ، نفذ عدد من الفدائيين عملية اغتيال سردار الجيش المصري " سير لي ستاك".
قبل الحادث بأيام، تمت مراقبة تحركات السردار بدقة –كما يقول عارف - ولوحظ أنه يتوجه يومياً في خط سير معتاد إلى وزارة الحربية ويمكث حتى الظهيرة قبل أن يعود إلى منزله في الزمالك (نادي الضباط بالزمالك حالياً).
بقدر ما كانت عملية الاغتيال ضربة موجعة لبريطانيا ، كانت – أيضاً – ضربة مؤلمة للحركة الوطنية ولحكومة الشعب برئاسة سعد زغلول ، التي وضعت هذه العملية، اجراءات معقدة من التقييد عليها، انتهت برحيل سعد ورجاله عن الحكم!
المندوب السامي " اللورد اللنبي " قدم استقالته من منصبه، بضغط من الحكومة الانجليزية لتهوره – على حد وصف الحكومة الانجليزية- في معالجة قضية حادث مقتل " السير لى ستاك" وانذاره لسعد زغلول نفسه.
رغم تقاعده عن العمل كمندوب سامي في مصر عام 1925، ورغم الاحتفال الرسمي لمغادرته بحضور ومشاركة معظم السياسيين المصريين، الا أن الشعب المصري بعبقريته، لم يدع اللورد المستبد يرحل في هدوء. فبمجرد رحيل اللورد اللنبى من منصبة عمد المصريون إلى أهانته، فقام البسطاء من أبناء منطقة القناة وتحديداً مدينة بورسعيد التى كانت مقراً للعديد من المصالح الأجنبية الحيوية بصنع "دمية" من القماش والبسوها البدلة العسكرية كالبدلة الشهيرة التى كان يرتديها اللورد اللنبى، وساروا بها فى أنحاء المدينة مرددين أغنية عفوية وليدة اللحظة تقول كلماتها :
يا ألنبى يا ابن النبوحا..
ياللى أمك وحشة وشردوحة..
( المصدر – كتاب "قطيعة" للكاتب /شريف عارف).
والصراع بين " اللنبي" والمقاومة في بورسعيد له تاريخ سابق، فعندما ألقى اللورد اللنبي القبض على سعد زغلول عقب اندلاع ثورة 1919، وقرر نفيه وآخرين للخارج عن طريق ميناء بورسعيد – كما يذكر المؤرخ البورسعيدي ضياء الدين القاضي مؤلف موسوعة تاريخ بورسعيد- خرج أهل المدينة لوداعه فمنعهم بوليس المحافظة ، لكن الثوار البورسعيديون أصروا على العبور من الحصار بقيادة الشيخ يوسف أبو العيلة، أمام الجامع التوفيقي ، والقمص ديمتري يوسف راعى كنيسة العذراء، واشتبكوا مع الإنجليز وبوليس القناة، وسقط 7 شهداء ومئات من المصابين، وكان ذلك يوم الجمعة 21 مارس 1919.
وأعقب تلك الأحداث موسم الخماسين فربط أهل المدينة أحداث العنف بالعادة اليونانية فصنعوا دمية كبيرة من القش حاولوا أن تكون قريبة الشبه من اللنبي، وحاولوا حرقها واعترضهم الانجليز فعادوا فجر اليوم التالي وحرقوها بشارع محمد على الذي يفصل بين الحي العربي والإفرنجي ، وبعد ذلك قررت بريطانيا مغادرة اللنبى إلى بلاده في 25 يونيو 1925 من ميناء بورسعيد أيضا ، وكان البورسعيدية في انتظاره حتى يودعونه وداعا خاصا، وجهز له البورسعيدية دمية كبيرة جدا مكتوب عليها اسمه وترتدي زيه العسكري ورتبته العسكرية وتم حرقها وتعالت ألسنة النار لدرجة تأكيد من رافقوا اللنبى لدى وداعه بالميناء على أنه شاهدها هو وزوجته قبل مغادرته الميناء.
يذكر أن الكاتب شريف عارف يشغل منصب سكرتير تحرير صحيفة " المصري اليوم"، وصدرت له عشرة مؤلفات سياسية ووثائقية أبرزها " الاخوان في ملفات البوليس السياسي" و" 26 يناير ..حريق القاهرة مدبرون ومنفذون" ، وحصد عدد كبير من جوائز العمل الصحفي، ونال تكريمات من عدة جهات بحثية. كما أشرف خلال العام الماضي على مشروع توثيق مئوية ثورة 1919، وحقق في المجلد التذكاري والفيلم الوثائقي" الثورة الأم" بهذه المناسبة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة