جاء شهر رمضان المبارك هذا العام مختلفا عن أى وقت ماضى، جميع المصريين لم يقوموا بإحياء الطقوس المعتادة للشهر الكريم ولياليه وسط التجمعات العائلية في داخل المنازل وخارجها، بسبب سياسة التباعد الاجتماعى التى تنادى بها منظمة الصحة العالمية وتطبقها الحكومة المصرية، بعد تفشى فيروس كورونا المستجد المسبب للإصابة بمرض كوفيد-19.
لكن هل هذه هى المرة الأولى الذى يستقبل فيه المصريون وقت الوباء، وكيف تعامل المصريين مع الطاعون أحد أعظم الأوبئة وأكثرها فتكا بالعباد، وهل توقف حينها العبادات وأغلقت الجوامع؟، كلها أسئلة لها إجابات واضحة فى كتب التراث والتاريخ المصرى.
وتاريخيا مر على المسلمين جائحتان في شهر رمضان، أولاهما طاعون "مسلم بن قتيبة" في العصر الأموي بمدينة البصرة في العراق عام 131هـ، وثانيهما ما سمي "الوباء العظيم"، الذي وقع ببلاد الشام عام سنة 749 هـ، وانتقل إلى مصر.
وبحسب ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية"، فإن الشاعر صلاح الدين الصفدي صاحب كتاب "التذكرة" مات في فترة وباء الطاعون سنة 749ه/ 1391م، الذي اجتاح الشام وفلسطين ومصر، ووصل أوروبا، وسمي "الوباء العظيم"، موضحا:"وفي شهر رمضان تفاقم الحال بسبب الطاعون فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجمهوره في اليهود لعله قد فقد منهم من مستهل شعبان إلى مستهل رمضان نحو الألف نسمة خبيثة، كما أخبرني بذلك القاضي صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال، ثم كثر ذلك فيهم في شهر رمضان جدا، وعدة العدة من المسلمين والذمة بالثمانين".
جاء في كتاب " السلوك لمعرفة دول الملوك" للمقريزي، إن الطاعون ضرب مصر سنتي (749هـ، و787هـ)، وذكر "أن الناس هُرعت للجوامع للصلاة والقنوت والتضرع إلى الله برفع البلاء، مع قراءة صحيح البخاري بالجامع الأزهر أياما، والدعاء بعدها لرفع الطاعون".
وذكرت الباحثة في التاريخ الاسلامي، سمية فتحي، فى تصريحات صحفية، أنه "في طاعون سنة (833هـ)، جمع السلطان 40 شريفا من الأشراف، وأجلسهم بالجامع الأزهر، قرأوا القرآن، ودعوا الله تعالى، ودعا الناس معهم وقد امتلأ الجامع بهم"، مضيفة: "وكان الناس يخرجون للصحراء يصلون بها وراء أئمتهم، ويستصرخون الله رفع البلاء".
وحول وقوعه في شهر رمضان، أكد أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة بجامعة الأزهر، الدكتور سعد الحلواني أن "بعضا منها بالفعل وقعت في رمضان، إلا أنها ورغم ذلك لم تغلق المساجد بقرارات الحاكم، بل إن الناس كانوا من أنفسهم يبتعدون عن المساجد، ويلجأون للجبال والصحراء حتى ينتهي الوباء".
وأوضح أنه "لم يثبت أن منع الصوم في ظل أي جائحة وقعت خلال شهر رمضان"، مضيفا أنه "حتى الحج والعمرة لم يثبت منعهما بسبب جوائح أو نوازل إلا في العام التالي لسرقة القرامطة للحجر الأسود من الكعبة المشرفة".
المؤرخ "الجبرتي" الذي نقل قصة الطاعون في رسالة بعث بها الشيخ حسن العطار قائلا: "إن الله أنجاه من هذا الوباء الذي اجتاح بلاد الصعيد مؤكداً "نعرفك ياسيدي إنه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم يسمع به من قبل خصوصا في أسيوط فقد انتشر هذا الوباء وكان معظمهم من الرجال والشباب وأغلقت فيه الأسواق وصار الناس ما بين ميت ومشيع".
وذكر "الجبرتى" أن شهر أبريل الذى اشتهر بأنه أحد أشهر الحصاد، تعطلت فيه الزراعة، و نشفت الأرض وأبادت الريح الزروع، لعدم وجود من يحصده، وقد أدى الطاعون الذي امتد لمدة أربعة أشهر هجرية منهم شهر رمضان، إلى موت الثلثين من أهالي الصعيد في أشد وباء شهده الصعيد، قبل تولي محمد علي حكم مصر، مات العلماء والقراء وأرباب الحرف، وتعطل الميت في منزله من أجل تجهيزه، فلا يوجد نعش ولا المغسل، كما يؤكد العطار في رسالته، ولا تسمع يوميا إلا نائحة أو باكية، وقد تعطلت المساجد والإمامة لموت أرباب الوظائف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة