ليست كل الحكايات متشابهة، هناك دائما تفاصيل مختلفة لكل حكاية، وهناك ملامح خاصة وربما تكون استثنائية، وهو ما وجدناه فى شخصية الفنان الكبير على خليل سالم "13 يونيو 1887 ـ 15 يناير 1957"، الذى اشتهر باسم على الكسار، الذى مر بالعديد من المحطات التى تعبر عن السعادة تارة والحزن تارة أخرى ولكنه تعامل معها بكل تواضع وسماحه.
اتخذ على الكسار الذى نشأ فى السيدة زينب بحى البغالة قلب القاهرة، اسمه من والدته التى كان يكن لها الاعتزاز والتقدير لوقوفها بجانبه، وتربى وسط عائلة بسيطة معدمة، الأب يعمل صانح أحذية يكاد يكفى قوت أسرته، حسب ما جاء بكتاب "أبيض وأسود" للكاتب أشرف بيدس، ولم تتح الظروف للكسار سوى أن يتلقى النذر القليل من التعليم فى أحد كتاتيب الحى، لكنه لم يداوم على الذهاب، فاصطحبه والده ليعمل معه.
وأوضح كتاب "أبيض وأسود"، أنه من شدة فقر أسرته طالبت والدته من اخيها بأن يأخذ الكسار للعمل معه طباخًا، وبالفعل يصبح سفرجيًا ويختلط بالمجتمع النوبى، وهو ما جعله فيما بعد يؤدى دور النوبى فى السينما المصرية بشكل رائع، حيث عرف لغتهم وطباعهم الجميلة.
التحق الكسار بفرقة "الأوبرت الشرقى" التى تقدم رواية "حسن أبو على سرق المعزة"، ويقع على اختياره على دور خادم نوبى، والذى نجح فى تقديمها بشكل بارع، وحاول من تطوير الشخصية وهى "عثمان عبد الباسط" التى كانت سببًا فى أن يطلق عليها النقاد لقب "بربرى مصر الوحيد".
وأشار كتاب "أبيض وأسود"، إلى أن صيت الكسار قد ذاع وكون فرقته الخاصة بمشاركة أمين صدقى، والتى كانت تنافس بشدة فرقة نجيب الريحانى، وحققت الفرقة نجاحًا كبيرًا حيث تم عرض عروضها فى الشام وعدد من البلدان العربية، وهذا ما شجع الشيخ زكريا أحمد للانضمام للفرقة، ولكن الأمور لم تدم طويلا، فينفصل الشريكان ويقرر الكسار تكوين فرقة خاصة ، وقدمت عروضًا كثيرة، ولكن فى منتصف الأربعينيات يشهد مسرحة تراجعًا بعد عدة أزمات مالية للفرقة التى قدمت أكثر من 160 مسرحية.
كانت تجربة الكسار فى السينما مختلفة فكانت بدايته فى فيلم قصير مدته 32 دقيقة وهو فيلم "الخالة الأمريكانية" عام 1920م، والأغرب أنه لم يعاود التجربة إلا بعد مرور 15 عاما بعدة أفلام منها "بواب العمارة، غفير الدرك، سلفنى 3 جنيه، عثمان وعلى"، وبلغت أفلامه 38 فيلمًا.
ويقول كتاب "أبيض وأسود" أنه مع نهايات الأربعينيات تتراجع مكانة الكسار السينمائية، ساعد على ذلك تراجعه مسرحيًا، وبدأ يقل الطلب عليه، ويأتى هذا التراجع لظهور جيل جديد من الكوميديانات مثل إسماعيل يس وعبد السلام النابلسى وعبد الفتاح القصرى وحسن فايق.
وارتضى الكسار بعد ذلك الاشتراك فى أدوار ثانوية لا تتفق مع تاريخه ساعدت على تقليص اسمه الكبير الذى كان يعتلى الأفيش وحده، وتعامل الكسار مع النجومية بتواضع شديد وطيبة بالغة، حيث قال :"لابد أن تكون هناك صلة بينى وبين الجمهور فإذا اتضح لى أن نص المكتوب لم يوفق فى إضحاك الناس لا أتردد فى أن ارتجل ما يضحكهم"، حيث كان يعلم أن الفن متعه وتسلية فى الأساس.
وبسبب تجاهل المنتجين له ازدادت حالته النفسية سوءا وسرعان نا اصابه المرض ليدخل مستشفى قصر العينى، ليلفظ أنفاسه الأخيرة على أحد أسرة الدرجة الثالثة، ليرحل وهو لا يملك شيئًا إلا حب الجماهير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة