الحضارة المصرية القديمة كنز يحتوى على اسرار عدة، فمنها ما سطر فى كتب التاريخ ومنها ما لم يكتب بعد، فعلى مدار الزمان سيكون هناك ما هو جديد، فرغم التطور النسبى فى الدولة القديمة فإنه فى الأسرة السادسة أى فى عام 2280 قبل الميلاد، قامت ثورة عظيمة غيرت الكثير فى شكل الدولة، ولكن هناك شئ ملفت فى هذه الثورة وهو أن كل ما كتب على المعابد الآلهة قديما ليس غالبًا ما يرضى الألهة، وما نجده فى بردية ددى والفلاح الفصيح على سبيل المثال تعتبر مغاير تمامًا لثقافة المعابد والمقابر، فهل ذلك صحيح؟
يقول كتاب "إعادة قراءة التاريخ" للدكتور ياسر شحاتة، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن ما كتب على معابد الآلهة ليس غالبًا سوى ما يرضى الآلهة، ولهذا فإن ما نجده من برديات قليلة مثل "الفلاح الفصيح" و"بردية ددى"، على سبيل المثال، يعتبر إشارات لشئ عظيم مختلف ومغاير تمامًا لثقافة المعابد والمقابر، ولهذا فهذه الإشارات البسيطة ذات أهمية كبيرة لكشف الجانب الذى اختفى وحرق فى مكتبة الإسكندرية قديما.
بردية إيبوير
ويوضح الكتاب، أن هناك نصين الأول ذكره "إيبور ور" كاتب البردية المشهورة عن الثورة، عن فلسفة وفكر من قاموا بالثورة الكبرى، فقد اهتم الرجل اهتمامًا بالغًا بالأحداث الجسام ورصدها وسجلها ببراعة، ولكنه لم يكتب عن فكر الثوار سوى عبارة واحدة غاية فى الأهمية فقال :"وأن الحمقى كانوا يرددون لو اعرف أين يقيم الإله لقدمت له القرابين".
ويشيرالباحث ياشر شحاتة، هذا يعنى أن الثوار لم يعترفوا بالآلهة، والعبارة لم تظهر حقدًا أو حربًا أو سبًا للآلهة، بل نتحدث عن فكرة موضوعية وهى أنه لو ثبت الأمر لآمنا به، وهى يبدو أنها ليست مآخوذة من جمل حماسية عاطفية ثورية، فالعبارة تفتقر لهذه الروح.
العازف الأعمى
ولفت كتاب "إعادة قراءة التاريخ"، أن هذه العبارة تدل على أنه كان هناك فكر مخالف ومتناقض تمامًا مع الرسائل التى تصل من القبور والمعابد، وكان هناك توجه فكرى يشكك فى وجود الآلهة، لأسباب عديدة، ربما أهمها أنها حامية للنظام القديم الذى كلن لابد من تغييره، وربما السبب الآخر أنه كان توجه لطرح فكرة تفسر الكون والحياة عن طريق آخر غير طرق الآلهة.
واستعرض كتاب "إعادة قراءة التاريخ"، قصيدة ظهرت فى مقبرة الملك إنيوتف الأول فى الأسرة الحادية عشرة، والتى استتب الأمر فى النهاية على يديها تعود لحوالى 2134 قبل الميلاد، وهى رسم غائر لعازف قيثارة أعمى وقصيدة منقوشة جانبه، وكان من ضمنها أبيات تقول :"عليك أن تتبع قلبك وهواك ورغباتك.. حتى أن تأتى لحظة الرحيل.. على أرض الصمت النهائى".
ويقول الدكتور ياسر شحاتة، أن فى هذه القصيدة تنكر كامل لفكر الديانة أصلا، فهى تدعو أن يعيش الشخص لنفسه يتبع هواه غير عابئ لا بمحاكمة ولا بآخرة، وتصف الموت بأرض الصمت النهائى وليس بالعالم الآخر الملئ بالحركة والأحداث ومحاكمة وزير "أوزوريس"، بل تصفه كما يصفه غير المؤمنين بالأديان بالصمت، وهذا يعنى أنه بالإضافة للفكر الدينى الذى تزفه لنا المقابر والمعابد كان هناك فكر آخر غير دينى، بل دنيوى مادى تمامًا.