يبدوا أن وباء كورونا العالمي في طريقه لإعادة رسم خريطة العالم والتكتلات السياسية الكبرى علي صعيد العلاقات الدولية، فالأزمة التي خلفها انتشار وباء كورونا العالمى خاصة في إيطاليا، وحالة الإحباط التي أصابت الحكومة والشعب الإيطالى من تخلى الأوروبيين عن دعمهم في ظل خروج الوباء عن السيطرة، ربما يتبعها إعادة نظر واسعة في جدوى التحالف الأوروبي وبقاء الاتحاد الذى غادرته بالفعل بريطانيا قبل أن يعرف العالم الوباء القاتل.
وفى تقرير لها ، قالت صحيفة الجارديان البريطانية إن فيروس كورونا قد يكون القشة الأخيرة للاتحاد الأوروبى، ويحذر الخبراء الأوروبيون أن الوباء سيكون أكثر تدميرا لوحدة الكتلة أكثر مما فعل البريكست والهجرة وأزمات الإنقاذ المالى.
وتقول الجارديان إن الاتحاد الأوروبى قد نجا من عواصف الإنقاذ المالى لمنطقة اليورو وأزمة الهجرة والبريكست، لكن البعض يخشى أن يكون فيروس كورونا أكثر تدميرا.
وفى تدخل نادر، كسر جاك ديلورس، رئيس المفوضية الأوروبية الأسبق الذى ساعد على بناء الاتحاد الأوروبى الحديث حاجز الصمت خلال الأيام الماضية عندما حذر من أن غياب التضامن يمثل خط مميتا للاتحاد الأوروبى.
وقال إنريكو ليتا، رئيس وزراء إيطاليا السابق، إن الاتحاد الأوروبى سيواجه خطرا مميتا من الوباء العالمى. وقال للجارديان إن أوروبا تواجه أزمة مختلفة عن الأزمات السابقة، مضيفا أن هذا يعود جزئيا إلى أن النهج الأوروبى قد أضعفته أزمات أخرى فى العقد الماضى.
وأضاف أن الروح المجتمعية لأوروبا أضعف مما كانت عليه قبل 10 سنوات، والخطر الأكبر للاتحاد الأوروبى كان فيروس ترامب. وأضاف أنه لو اتبع الجميع إستراتيجية إيطاليا أولا أو بلجيكا أولا أو لألمانيا أولا، فسنغرق جميعا.
من جانبها، قالت ناتالى توسى، المستشارة السابقة المفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى إن هذه بالتأكيد لحظة حياة أو موت للمشروع الأوروبى، ولو سارت الأمور على نحو سىء، فإن هذا يخاطر ببداية نهاية الاتحاد وسيشعل كل الشعبوية القومية.
إلا أنها تشير إلى أن زعيم اليمين المتشدد فى إيطاليا حتى الآن قد تراجع فى استطلاعات الرأى، بينما ارتفعت شعبية رئيس الوزراء جوزيب كونتى، وهو أستاذ قانون بالأساس، قد ارتفعت. وفى بعض الجوانب سيريد الرأى العام بالفعل القائد المعتدل الموزون الذى يطمأنهم لكنه فى نفس الوقت حازم.
وتقول الجارديان إن أوروبا قد انتقلت من استجابة "أنا أولا" الأولية، التى فرضت فيها بعض الدول حظرا تصدير الأدوات الطبية الحيوية، أو وضعت ضوابط حدودية تركت مواطنين أوروبيين آخرن عالقين.
وفتحت ألمانيا والنمسا ولوكسمبرج مستشفياتها لمعالجة المرضى من الدول الأكثر تضررا، وتبرعت ألمانيا وفرنسا بكمامات لإيطاليا أكثر من الصين، وفقا لتنفيذية الاتحاد الأوروبى التى تراقب ما ينشر على السوشيال ميديا وسط مخاوف بأنها قد تخسر معركة "الروايات العالمية" حول سياسات الكرم. وفى المرحلة المبكرة من الأزمة، أرسلت روسيا والصين إمدادات طبية إلى إيطاليا، فى حين فشل أقرب جيرانها فى الاستجابة الفورية لنداءات روما للمساعدة.
وفى الوقت الذى اجتمع فيه القادة الأوروبية، حول الاستجابة لأزمة الصحة العامة، والتى تعد بتعديل نظام إدارة الأزمات للاتحاد الاوروبى وتمويل أبحاث اللقاح والمشتريات المشتركة للأدوات الطبية، فإن الدول لا تزال منقسمة حول كيفية مساعدة الاقتصاد على تجاوز العاصفة.
وأعاد الوباء فتح جراح أزمة منطقة اليورو، وأعاد إحياء القوالب النمطية حول الأوروبيين المسرفين فىالجنوب، وأصحاب القلوب القاسية فى الشمال. وبقول هيذز جراب، المستشار السابق لمفوض توسيع الاتحاد الأوروبى إن كل أزمة قللت الثقة بين الدول الأعضاء وداخل النظام ككل، وتلك مشكلة حقيقية.
وتوضح الجارديان أن أوروبا منقسمة لقسمين حول كيفية الاستجابة للتداعيات الاقتصادية الناجمة عن كوفيد 19. ففرنسا وإيطاليا وأسبانيا وعلى الأقل خمسة أعضاء آخرين يريدون الخروج عن الاتفاقية بإصدار ديون مشتركة لمنطقة اليورو، أو ما يسمى سندات كورونا، بينما لا تزال ألمانيا والنمسا وهولندا تتجنب الفكرة.
وفى قمة الأسبوع الماضى، فشل الزعماء الأوروبيون فى التوصل إلى قرار، ومرروا المشكلة لوزراء المالية الذين تلقوا تعليمات بإيجاد مخرج من الجمود بحلول الأسبوع المقبل.