حرمهم الله من نعمة العيش وسط أسرة، لكن عوضهم عنها بأسرة أكبر داخل دور رعاية للأيتام، وسط إجراءات ودعم منحته لهم الدولة ليخرج منهم نماذج مشرفة يفخرون بأنفسهم ونفخر نحن بهم، كل أحلامهم تعاند الحياة بابتسامة تشرح القلوب، وبينهم مبدعون فى كل المجالات فى الرسم والفنون والاستعراض والحرف اليدوية.. فى هذا التوقيت من كل عام نحتفل بيوم اليتيم، لكن نظرا للظروف التى يمر بها العالم قدر لهم أن يقضوه وحيدين فى دور الأيتام.
"اليوم السابع" زار دار المدينة المنورة للأيتام بمدينة العاشر من رمضان، والتقى عددا كبيرا منهم، واستمع لهم ولحكاياتهم، وحمل منهم رسائل عديدة للمجتمع.
فى البداية أوضح مدير الدار الدكتور حاتم الشعينى كيف يحاول العمل على فكر الأولاد ومنحهم مزيدا من الثقة والتقدير، ولهم فى رسول الله قدوة حسنة، فالمناخ الجيد الذى نوفره لهم يعطيهم مساحات أكثر من الإبداع والتميز فى كل المجالات وهو ما يجعلنا نفخر بوجودنا معهم، ويجعلهم هم الأخرون يفخرون بأنفسهم.
هناك بالمنطقة الصناعية الثانية تقع دار أيتام المدينة المنورة على مساحة مترامية الأطراف، والدار عبارة عن مبنيين الأول لمن يزيد عمرهم عن 10 سنوات، والآخر يضم الرضع حتى عشر سنوات، منذ اللحظة الأولى لدخولك المكان تدرك أنهم خلف هذه البنايات أطفال يمكنك أن تفخر بهم.
الكبار منهم بينهم دخل كلية الهندسة وغيرهم من شق طريقه للعمل فى السياحة وآخرون حصلوا على بطولات، وغيرهم أقاموا مشروعا لأنفسهم، وبينهم المتميز علميا، والبعض الآخر يفخر بكونه من أبناء الدار ويحدد لنفسه الهدف ويحققه بمساعدة من حوله من مشرفين ومديرين وكفالة.
خالد السيد على عمره 18 عاما ببشرته السمراء وابتسامته العريضة يخبرك أنه الابن البار للأرض الطيبة، زاد من قوته وقدرته على التحدى كونه يتيما، لكنه استطاع بمعاونة المشرفين فى الدار أن يكون فخرا للدار ولمدينة العاشر من رمضان ولزملائه، إنه مبدع بالفطرة، تميز فى تطويع قلمه فى رسم لوحات فنية، تعلم على يد أحد مبدعى العاشر وهو الفنان أيمن الجوهرى، تمكن خالد فى فترة وجيزة أن يصبح فنانا محترفا، ويعمل بمدينة شرم الشيخ فى إحدى القرى السياحية، يعلم الرسم للأطفال ويدير مدرسة تدريب.
من داخل الدار أيضا يمكنك أن تلتقى حسن عبد القادر 17 عاما بالصف الثانى الثانوى تجارى، للوهلة الأولى بمجرد أن تقابله تتمنى للحظة أن يكون ابنك فى أخلاقه ورقيه فى التعامل، حسن يعشق الفن بشكل عام وقرر أن يكون هذا مستقبله، فبعد أن تدرب على الرسم اختار فن الأرابيسك أن يكون مهنته، وبالفعل تعلمه وأصبح صنايعى فيه، وتعلم أساسياته وبدأ يصنع منه براويز وعلب مناديل، وحاليا يقبع على تنفيذ فوانيس رمضان منه، كل أحلامه أن ينفذ مشروعا لنفسه فى فن الأرابيسك ويكبر المشروع حتى يصبح مصنعا.
وليد عبد الله فصيح دار المدينة المنورة، 16 عاما بالصف الثانى الثانوى أدبى، من المتفوقين دراسيا، ويفخر بكونه من أوائل مدرسة عمرو بن العاص فى نظام التابلت، ويحلم بأن يدخل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، للحظة الأولى تخبرك مفرداته بأنه من الأولاد المهذبين، متحدث لبق ويحاور بشكل جيد، أصر أن يرسل برسالة للمجتمع قائلا: "احنا أفضل من أبناء كثيرين يعيشون مع أسرهم، والمناخ الذى نعيش فيه يوفر لنا كل سبل التميز مدرسين وكتب خارجية وأكل وشرب، ونحتاج من الإعلام أن ينظر للنماذج الإيجابية فى دور الأيتام ويسلط الضوء عليهم، لأن هذا يسعدنا ويساعدنا على تحدى كل الظروف المحيطة بنا، فنظرة المجتمع أحيانا تصنع منا شبابا عدوانيين، لكننا نعاند الحياة ونثبت للجميع ولأنفسنا أننا على قدر الثقة والمسئولية.
أما سمير أسامة سامى هو أحد أبناء الدار الذين رغم بلوغهم السن القانونية للخروج من الدار إلا أنه يصر على التواجد بشكل دائم مع إخوته الموجودين بالدار من صغار السن، ويملك قصة نجاح خاصة به، فهو كان من الأطفال كثيرى الحركة وكان يعاند مشرفيه ويتسبب فى مشاكل كثيرة، لأنه كان يضغط نفسيا كلما سمع كلمة يتيم، لكنه مع الوقت قرر أن يعاند نفسه فى أن يثبت للجميع أنه قادر على تحمل المسئولية ولعب رياضة وتفوق، وفتح لنفسه مشروع نادى فيديو وبلاىستيشن، وساعدته الدار فى تجهيزه، ويحلم بالاستقرار وأن يفتح بيتا لنفسه ويخلف أبناء ويحتويهم ويحقق معهم حلمه فى أن يكون له أسرة، مؤكدا أهمية أن تتغير نظرة المجتمع للطفل اليتيم.
بعيدا عن مبنى الكبار سترى البسمة الحقيقية والتحدى الحقيقى بين 13 طفل فى عمر الـ7 إلى 10 سنوات تملؤهم الحيوية والنشاط والتفاؤل بمجرد دخولك ستراهم يتحركون كالفراشات على أغصان الزهور، بينهم سند ذو الصوت الملائكى فهو المغنواتى الذى يجيد فن المواويل، سيخربك عن موال أنا شرقاوى الذى أهداه لوزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحى فى إحدى الاحتفاليات، لأنه من الشرقية، ويتمتع بخفة الظل والدم والصوت الرائع.
الأطفال الـ14 هم فريق الدار الاستعراضى يمثلون ويرقصون ويغنون، معروفين بالاسم نور وإسلام وسند وحسن وكريم وعصام ومصطفى وشادى، ونور، ويوسف، سيد، ونادر، ومهند، وهشام، سيخبرونك عن أحلامهم فى أن يصبحوا مدرسين وضباط ومهندسين وشيف ولاعبى كرة، وممثلين، فالأحلام مشروعة وقابلة للتنفيذ فقط يحتاج من يدعمها ويؤمن بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة