علينا طوال الوقت أن نؤكد أن التعامل مع فيروس كورونا، يتطلب الكثير من ضبط النفس والصبر، من دون تهوين أو تهويل، ولا محاولة تحميل الأمر لطرف دون آخر، فالكل فى مواجهة مع خطر مؤكد. ومن الواضح أن هناك كثيرين لم يتعلموا من تجربة فيروس كورونا فى دول أوربا وخصوصا إيطاليا وإسبانيا، ومن صدق أوهاما ومعلومات خاطئة عن المناعة وتعامل بتهوين مع خطر مؤكد أربك دولا كبرى وهزم أنظمتها الصحية والنفسية.
ومن يتهاون مع الفيروس لا يضر نفسه فقط، ولكن يضر أهله وأقاربه وجيرانه وزملاءه، ويصبح بؤرة تبدأ فى نقل العدوى بشكل متوالٍ، ويقدر عدد من ينقل لهم حامل المرض ما بين 100 إلى 800 فى حالة عدم التزام الحجر، لأنه يتسبب فى عدوى شبكية.
وتجربة الفيروس تشير إلى أن العدوى اتسعت فى مصر أولا بسبب سائحة شكلت بؤرة انتقلت للعاملين بالسياحة فى الأقصر وكلهم تقريبا تم شفاؤهم باستثناء عدد قليل نقل العدوى وكون بؤرة، فضلا عن حالة إيطالية فى الدقهلية، وحالات عائدين من العمرة عشرات انتقلت لهم العدوى. وللأسف كان هناك عائدون من أوربا ورأوا الرعب والموت هناك ولم يشعروا بأى مسؤولية وتعاملوا بعدم اعتناء ونقلوا العدوى وصنعوا بؤرا فى بعض قرى الصعيد أو الغربية أو غيرها.
وهؤلاء يفترض أنهم يمتلكون وعيا. لكن أداء بعض هؤلاء يشير إلى فقدان للوعى والمسئولية حيث الإهمال ليس فى صحتهم ولكن فى صحة غيرهم.
وبدا أن الرهان على وعى مقيمين بأوربا كان رهانا على وهم، ولهذا تم اتخاذ قرار الحجر الفندقى للعائدين، حتى يمكن عزل من يحمل الفيروس أو تظهر عليه الأعراض حتى يمكن تلافى انتقال فيروسات وتكوين بؤر جديدة.
يضاف إلى ذلك القلق محاولة التعتيم على إصابات فى مكان خطير مثل معهد الأورام بما يؤدى إليه من تبعات صحية واجتماعية، وكان التحرك من البداية هو الالتزام بالشفافية والوضوح، لكن خطأ من أرادوا التعتيم يتطلب إجراءات معقدة ووقت آخر لمحاصرته وتتبعه، مما يعيد الجهد المبذول إلى السفح لتمتد فترات العزل فضلا عن خطورة توسع الإصابات.
كل هذه العناصر تتفاعل لتشير إلى خطورة التساهل أو التهاون، وقد اتبعت الدولة من البداية التدرج، وحرصت على أن تراعى مصالح من تضرهم ظروفهم للعمل، لكن التزاحم والاختلاط يقوى حجة من طالبوا بحظر أوسع وأطول وأكثر حسما، مع فرض عقوبات على المخالفين مثلما جرى فى دول أخرى واجهت الفوضى بالحسم.
ثم إن تضاعف العدوى ينسف بعض الاعتقادات حول مناعة أو درجات حرارة أو الربط بين تطعيم السل ومقاومة الفيروس كورونا، وحتى ما يطرح عن العلاج هو فى مراحل التجارب ولن يكون العلاج أو اللقاح متاحا قبل شهور، الأمر الذى يجعل هناك احتمالات لاتساع نسبة العدوى، حسب ما تظهره أرقام الإصابات والوفيات خلال الأيام الأخيرة.
وهو ما قد يستدعى إجراءات أشد فيما يتعلق بالحظر وتقييد الحركة فضلا عن أن ذلك قد يستغرق وقتا أطول ويجد من كانوا يتضايقون من أسبوعين أنفسهم أمام قرارات بالأسابيع وربما شهور. الأمر ليس فيه تهويل لأننا نرى الخطر وأرقام الضحايا على الهواء كل لحظة، ونتائج مبنية على مقدمات رأيناها وما نزال فى أوربا وأمريكا.
الأمر ليس فيه تهوين، واحتمالات تفجر الأمر واردة، وتتطلب المزيد من الحسم فيما يتعلق بالعزل، لأنه حتى الآن لم تظهر طريقة لوقف الفيروس سوى العزل الاختيارى أو الإجبارى وقد سدت الحكومة ثغرات العائدين بفرض العزل أسبوعين، ورئيس الوزراء تحدث بوضوح محذرا من عدم الالتزام، وليس فى ذلك إخلاء مسئولية، لأن الحكومة تحملت المسؤولية من البداية، والأمر ليس فى تعليق المشكلة فى طرف، لأنها مسؤولية تضامنية بمواجهة خطر واضح. ومع هذا يوجد من يستهين بالأمر ويقلل من الخطر أو يحاول التعتيم، وهو خطر لا يقل عن الفيروس.