كما قيل فى التراث " ما اشبه الليلة بالبارحة"..فبعض تفاصيل ما تواجهه مصر فى الحرب على فيروس كورونا القاتل حاليا يشبه ماواجهته ضد وباء الكوليرا قبل 73 عاما فى عام 1947 ..فالحرب لم تكن فقط ضد المرض وانما ايضا كانت ضد بعض السلوكيات من أفراد الشعب والاستهتار بالمرض وضد أثرياء الموت والازمة..اغنياء الحرب من التجار الجشعين
بالضبط هذا ما حدث وكأن التاريخ يكرر نفسه فيما تقوم به الدولة والحكومة الأن من جهود جبارة واجراءات احترازية كبيرة مع التوعية المستمرة للناس بضرورة الالتزام بالتعليمات بالبقاء فى المنازل وعدم الاستهتار بالمرض والاهتمام بالنصائح الصحية
أخطر ما فى الأزمة الأولى كان الاستهتار والجشع- ياالله- الى الحد الذى وصف فيه رئيس الوزراء فى ذلك الوقت محمود فهمى لنقراشي باشا مسألة استغلال الوباء والأزمة بأن" الجشع كان أكثر فتكا بالمصريين من الكوليرا"
الفارق الوحيد فى مواجه الكورونا والكوليرا ، ان الوباء الثانى لم يكن عالميا وانما اصاب مصر فقط وحصد أرواح ما يقرب من 20 ألف شخص...وكان عدد سكان مصر فى ذلك الوقت 18 مليون نسمة فقط..!
التفاصيل فى المعركة الأولى كثيرة لكن لا بد أن نأخذ منها العبرة والدروس بالانضباط والالتزام ومراعاه الضمير.. ويرصد باحثون مصريون وفرنسيون الازمة الأولى التى بدات حكايتها فى 25 سبتمبر عام 47 عند باب مستشفى حميات العباسية عندما فوجئ مدير المستفى بزميل له يبادره بالقول" يا دكتور الكوليرا وصلت المستشفى".
وكما روى الباحث فى التراث المصرى المعاصر ايمن عثمان أن مدير المستشفى ذهب الى جناح العزل ليتأكد من الحقيقة المزعجة من خلال مريض مسجل فى سجلات المستشفى كان يعمل فى احدى معسكرات الانجليز.
وكان لابد ان تجتمع حكومة النقراشي لاتخاذ اجراءات الحد من انتشار الوباء وأعلنت حالة الطوارئ في الحميات، وعلقت لافتات "لا راحة ولا سكون"، وامتدت الطوارئ لكل مستشفيات مصر "حكومية وخاصة وخدمية وأهلية"- لا حظ هنا أن القرار ضم المستشفيات الخاصة والأهلية- وفي نفس توقيت تحرك الأطباء كانت الكوليرا تفشت في الشرقية والقليوبية والقاهرة بعد أقل من أسبوع من اكتشاف الحالة الأولى.
وياللمفارقة ..كانت الحملة الصحية والتوعية بتوزيع لافتات تعليمات صحية في كل مكان "الزموا بيوتكم.. ممنوع منعا باتا السلام باليد.. ممنوع منعا باتا البصق على الأرض.. ممنوع استخدام سماعة التليفون العام.. بلغوا عن مرضاكم.. ممنوع التنقل من مكان لمكان"،..! ربما هى ذات التعليمات مع فارق التطور فى اسلوب المعيشة وادواتها الحديثة.
وللأسف لم تلق التحذيرات صدى عند الناس فزادت أعداد المصابين، وزادات الأماكن والمحافظات المنكوبة. فلجأت الحكومة –ايضا-الى قرار بتأجيل الدراسة وأغلقت دور العبادة ومنع الحج.
واستمر الوباء في الزحف، فاضطرت الحكومة الى اتخاذ الاجراء الاشد وداخل غرفة عمليات بقيادة رئيس الوزراء النقراشي باشا، ووزير الصحة نجيب إسكندر، أعطى النقراشي وزير الصحة كل الصلاحيات السياسة والتنفيذية للقضاء على وباء الكوليرا، فأصدر نجيب باشا قرار حظر التجوال بين المحافظات إلا بأمر كتابي منه، وأمر بسيطرة الشرطة والجيش على كل مداخل ومخارج المدن والمحافظات، وطالب نجيب باشا من الشعب ضرورة التبليغ عن الحالة أو حتى المشكوك فيها أول 24 ساعة من معاناته رحمة به وبأهله، ووصل الأمر لتفتيش البيوت.
وتذكر الأديبة والشاعرة أندريه شديد- وهى شاعرة وروائية وكاتبة فرنسية. ولدت في القاهرة لأسرة مسيحية من أصل لبناني سوري ولدت بالقاهرة عام 1920-وتوفت عام 2011) ولها العديد من الكتب التى تهتم بمصر وريفها – فى كتابها " اليوم السادس" ان الوباء مالبث ان انتشر فى الشرقية ثم الاسماعيلية فالقاهرة فمحافظات الصعيدفى خلال فترة قليلة وإنعزلت مصر تماماً فى محنتها عن العالم بأثره وظلت مصر فى عزلة تامة تخوض معركة طاحنة مع المرض وحيدة.
هنا ومع تصاعد الكارثة خرج جميع المصريين ليخوضوا هذه المعركة حتى قضوا على المرض
تقول اندريه شديد او اندريه صعبوالتى عاصرت المحنة فى مصر ان الحكومة ومع تزايد اعداد الوفيات بشكل كبير، فتحت باب التبرعات فأصبح فى حصيلة وزارة الصحة 70 ألف جنيه وبدأت سيارات الإسعاف تطوف في كل أنحاء المحروسة لتتبع مرضى الكوليرا لم تكتفي بذلك بل أعلنت للمواطنين أن من يبلغ عن وجود حالة كوليرا سوف يحصل على واحد جنيه، ودخل الاطباء والمسعفون والممرضون وفي حماية الشرطة إلى المنازل التي بها المريض وأخذه عنوة من وسط أهله وسط بكاء وعويل الأهل حيث كانوا يعلمون أن هذا المريض في أغلب الأحيان لن يشاهدوه مرة آخرى
كان يتم تجميع المرضى في معسكر عزل في صحراء مدينة الخانكة حيث تقوم الفرق الطبية بمعالجتهم، من يشفى منهم كان يرجع إلى أهله، ومن يتوفى يتم حرق جثته في محرقة جماعية، وقد دفع أطقم الأطباء والتمريض ثمن ذلك حيث توفى الكثير منهم بالعدوى أثناء العزل.
التذكير بما حدث عام 47 فيه كثير للناس من الدروس للاستفادة منها ..حفظ الله مصر من البلاء.