حذرت مجلة فورين بوليسى الأمريكية من أن وباء كورونا سيؤدى إلى تدمير اقتصاد تركيا، مشيرة إلى أن النظام المالى لأنقرة كان ضعيفا بالفعل قبل الوباء، إلا أن مزيجا من الدين الخارجى وأزمة الصحة العامة والرئيس الذى يختار أن يحمى سمعته بدلا من شعبه يمكن أن يمثل كارثة.
وقالت المجلة الأمريكية إن كوفيد 19 قد فاجأ الحكومات والقطاع الخاص فى كل دول العالم. لكن أردوغان، وطوال سنوات من سوء الإدارة السياسية والاقتصادية قد وضع بلده فى الموقف الأكثر ضعفا بين كل الأسواق الناشئة الكبرى. ولو أصر أردوغان على مضاعفة أخطاء الماضى، فإنه سيجلب المزيد من الدمار الاقتصادى لتركيا، وستسمر التداعيات المالية والجيوسياسية لذلك لما بعد نهاية الوباء.
وأوضحت الصحيفة أنه حتى السابع من إبريل، سجلت تركيا أكثر من 34 ألف حالة إصابة بكورونا، لتصبح واحدة من أسوأ دول العالم فى معدلات العدوى حيث تتضاعف الحالات المؤكدة كل ستة أيام، مقارنة بالمعدل العالمى وهو تسعة أيام.
لكن هناك قلق بأن حتى هذا الرقم المقلق أقل من الحقيقى. فعندما سجلت أنقرة أول حالة مؤكدة فى 11 مارس، لتصبح أحدث اقتصاد كبير ينضم للقائمة، كتب إرجين كوسيلديريم من كلية الطب بجامعة بيتسبرج تحذير فى نفس اليوم بأن التستر على فيروس كورونا فى تركيا هو كارثة منتظر حدوثها. وفى 28 مارس، كتبت المحلل المالى إنان دوجان، الذى يتنبأ نموذجه بشكل دقيق بعدد الموتى فى الولايات المتحدة، يقول إن 1 من بين 150 شخص فى تركيا مصاب بعدوى كورونا، متوقعا أن يتجاوز عدد الوفيات 5 آلاف فى منتصف إبريل.
ورغم أن تركيا بها واحد من أفضل الأنظمة الصحية فى المنطقة، إلا أنها لا تزال تتخلف عن كل الدول فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية من حيث عدد الأطباء. فإيطاليا، على سبيل المثال، لديها ضعفى عدد الأطباء وثلاثة أضعاف عدد الممرضين الموجودين فى تركيا ( من حيث النسبة إلى عدد السكان).
وما زاد من الأمور سوءا منذ محاولة الإطاحة بالنظام التركى فى يوليو 2016، قامت حكومة أنقرة بحملة تطهير وإدراج فى قوائم سوداء لأكثر من 150 ألف من الموظفين المدنين، بينهم نحو 15 ألف من المتخصصين فى الرعاية الصحية، وأجبرت حتى أعلى خبير فى فيروس كورونا، مصطفى سولاسلى على الجلوس دون عمل بسبب زعم صلته بشبكة دينية يعتقد أن كانت وراء محاولة الانقلاب على أردوغان.
وأكدت المجلة الأمريكية أن أنقرة غير مستعدة للتباطؤ الاقتصادى الذى أصبح حتميا بسبب الوباء، فقد فقدت الليرة التركية بالفعل 14% من قيمتها أمام الدولار منذ بداية العام، مما يفرض ضعوطا أكبر على الشركات غير المالية التى تعانى من فرط الديون، حيث تبلغ التزاماتها من النقد الأجنبى حوالى 300 مليار دولار، ومع استمرار الشركات المتعثرة فى لبلاد فى مواجهة تقلص الإيرادات أدى ذلك إلى زيادة التزامها من النقد الأجنبى بنسبة 20% تقريبا خلال الأشهر الـ 12 الماضية.
أضف إلى ذلك الهبوط فى صافى احتياطيات النقد الأجنبى للبنك المركز إلى 1.5 مليار دولار، والتى حاول البنك إخفائها وراء عمليات مقايضة قصيرة المدى مع البنوك المحلية. ومنذ يناير 2019، يبدو أن وزير المالية وصهر أردوغان بيرات البيرق قد أحرق حوالى 65 مليار دولار من احتياطى البنك لدعم الليرة المتعثرة. ورغم ذلك، توقع المحللون فى بنك MUFG اليابانى انخفاض الليرة بنسبة 18% أخرى فى غضون عام لتصل إلى مستوى قياسى بثمانية ليرات مقابل الدولار، بعد أن كانت 3 ليرات مقابل الدولار فى سبتمبر 2016.
وخلصت المجلة فى النهاية إلى القول بأنه فى الوقت الذى تواجه فيه تركيا والعالم تحديا غير مسبوق فى المجال المالى والصحة العامة، فإن أكبر خطأ يرتكبه أردوغان هو مزج وباء كوفيد 19 بمضايقات سابقة يمكن أن يخفيها بأساليب صارمة وخطاب استقطابى. فخلال أزمة لا مثيل لها تدعو للتضامن والثقة داخل الدول وبين بعضها البعض، ما لم يتوقف الرئيس التركى عن مضاعفة أخطاء الماضى، فإن أزمات مالية وصحبة كارثية تنتظر تركيا، وكل منها سيكون "معديا" لشركاء أنقرة التجاريين عاجلا أو آجلا.