- استهداف دورية أمنية فى شمال سيناء محاولة يائسة من الإرهابيين للإيحاء بالقوة والحفاظ على التمويل
- العملية الإرهابية ترجمة لخسائر الميليشيات وبحث عن مداخل لضرب الالتفاف الشعبى حول القوات المسلحة
- سر تزامن عمليات الإرهابيين مع حملات الإخوان ضد مصر.. وتاريخ ابتزاز الجماعة للدولة بحوادث ما قبل 2013
- رفح واختطاف الجنود ومجلس الحرب وكمين التفاحة تفضح حضور الإخوان الدائم إلى جانب عصابات الإرهاب فى سيناء
- نهر دم أراقه الإخوان وحلفاؤهم فى رمضان من رفح للفرافرة والمنصة والحرس الجمهورى والاستقامة ورمسيس والكنائس والأقسام والنائب العام
- مسلسل الاختيار يزيد إحساس جماعات الإرهاب بالضغط والفشل فى شق الصف الوطنى أو زرع الضغينة بين الدولة والمواطنين
- عملية العبوة الناسفة مقابل حركى لتحريض جماعة الإخوان وتأكيد لأثر "الاختيار" فى فضح المتطرفين والعملاء
- شهداء بئر العبد يعيدون أبطال رفح فى رمضان 2012 إلى الواجهة ويؤكدون علاقة الإخوان بعمليات سيناء
- العودة بعد 7 شهور رد مباشر على مسلسل البطولات.. وشهر رمضان يفضح بؤرة رابعة وما صدرته من موجات عنف وجماعات إرهابية
كانت ربات البيوت منهمكات فى ترتيب الموائد، والناس بين عبادة وذكر واستحضار للروحانية المختلطة بالظمأ والدعاء والرجاء. وعلى بُعد مئات الكيلو مترات أقصى شرق مصر، كانت الروحانية نفسها حاضرة داخل مُدرعة عسكرية تنفذ مهمة دورية، ويختلط عندها ذكر الله بذكر الوطن، والفارق الوحيد عن كل البيوت فى أنحاء البلاد، أنهم لم يكونوا مُلتفين حول مائدة عامرة، وأن كلابا مسعورة كانت تتأهب لاقتناص الظمأ من الحُلوق والدم من الشرايين. تكرر مشهد يُلخص وضاعة الإرهاب وسمو الوطن فى نفوس أهله، ليذهب فريق من الأبطال الجدد فى طابور "الاختيار".
مع إعلان المتحدث العسكرى، العقيد أركان حرب تامر الرفاعى، مساء الخميس، استشهاد وإصابة ضابط وضابط صف وثمانية جنود فى تفجير عبوة ناسفة استهدف مدرعة عسكرية، استعادت ذاكرة المصريين مشهدا مقاربا فى أجواء مشابهة. كان الجنود الرابضون فى نقطة حدودية قُرب رفح يتأهبون للإفطار يوم السابع عشر من رمضان قبل ثمانى سنوات، ليخرج عليهم حشد من الإرهابيين ويمطرونهم بوابل من الرصاص والمقذوفات الثقيلة. استُشهد ستة عشر بطلا وأُصيب سبعة آخرون، ولم يبدو وقتها أن جماعة الإخوان الإرهابية التى كانت تختطف السلطة والبلد بكامله متألمة للحادث وأرواح الشهداء. الآن تكرر المشهد لكنه مدفوع تلك المرة بطاقة إخوانية، ويحمل قدرا من رائحة الجماعة، ويُفسر جانبا من حروبها الأخيرة على مصر والمصريين.
تخلت الجماعة الإرهابية خلال الشهور الأخيرة عن مناوراتها المعتادة. كانت تحاول من قبل تصوير موقفها بوصفه خلافا مع السلطة ونظام الحكم، لكنها مع توالى الإخفاق فى تسويق تلك الرؤية أو استقطاب مزيد من الحلفاء على أرضيتها، تجاوزت المناورة لتُجاهر بحقيقة مواقفها. لم تُخف الجماعة شماتتها فى المصريين مع بعض الحوادث أو المشكلات أو أزمات الطقس، ونشطت فى ترويج شائعات وأرقام مختلقة بشأن وباء فيروس كورونا، ودعت عناصرها لنشر العدوى وتنظيم مسيرات لزيادة التكدس وتعظيم الخطر، وزايدت على الإجراءات الوقائية وطالبت بتنظيم تجمعات وصلوات حاشدة رغم المحاذير، وأخيرا هاجمت الشهيد أحمد صابر منسى قائد الكتيبة 103 صاعقة مع اقتراب ذكرى استشهاده الثالثة، بمجرد الإعلان عن مسلسل الاختيار الذى يجسد بطولاته ورجال القوات المسلحة، فى مواجهة إرهاب الجماعة وهشام عشماوى وحلفائهم التكفيريين فى سيناء. وتوالى الهجوم مع تتابع حلقات المسلسل بما تحمله من تنشيط للذاكرة وتوثيق بصرى لجرائم التنظيم، ومع تصاعد الاهتمام بـ"الاختيار" واستعادة سيرة المنسى وتصاعد الالتفاف الشعبى حول الدولة والجيش، أيقنت الماكينات الدعائية للإخوان أن الهجوم والتشويه لن يكسرا تلك الحالة الوطنية، فكانت عملية بئر العبد!
يد الإخوان فى سيناء
حتى 25 يناير 2011 لم تكن شمال سيناء ملعبا للإرهاب على الإطلاق. شهد الجنوب عمليتين خلال العقد الأول من الألفية، لكن ظلت الأجواء الأمنية مستقرة تماما، حتى اندلعت الثورة واستغلت جماعة الإخوان الإرهابية وذراعها فى قطاع غزة "حركة حماس" أجواء الفوضى فى عبور الحدود واقتحام السجون وتنفيذ عمليات بالداخل ثم تنظيم تدفق المقاتلين من الخارج إلى سيناء. تصاعدت تلك الوتيرة لاحقا مع اقتناص الإخوان لأغلبية البرلمان ثم الرئاسة، وكان أكثر مشاهدها وضوحا عملية اختطاف سبعة جنود شرطة يوم السابع عشر من مايو 2013، ودخول الرئيس الإخوانى محمد مرسى على الخط بتصريحه الشهير والغريب، الداعى للحفاظ على "سلامة الخاطفين والمخطوفين" مقدما المجرمين الذين يبدو أنهم كانوا حلفاء للجماعة، على الجنود الذين كانوا يؤدون واجبا وطنيا ويدافعون عن أمن سيناء.
كان الإرباك الذى أحدثته الثورة لمؤسسات الدولة عاملا محفزا للسيولة الأمنية فى سيناء، مع انشغال كل الأجهزة فى تأمين الداخل وإدارة المشهد المشتعل قصدا من خلال بعض الأطراف، وبدورها استغلت جماعة الإخوان تلك الحالة، وقرب أذرعها فى فلسطين من سيناء، وسطوة الوجوه الدينية البارزة هناك وقربهم من التنظيم، فى التوسع بالمنطقة وتعزيز حالة الفوضى وفتح مسارات لتدفق الإرهابيين والأسلحة من الداخل والخارج، خاصة مع تفكيرهم فى تشكيل ميليشيات على غرار الحرس الثورى الإيرانى، ووقوع اختيارهم على سيناء بظروفها وما يملكونه من أوراق فيها لتكون مسرحا للخطة، وعززوا الأمر مع وصولهم للحكم، حتى تشكلت لهم قاعدة واسعة يمكن توظيفها فى المناورة والضغط على مؤسسات الدولة.
برزت تلك القاعدة سريعا عقب ثورة 30 يونيو. كانت الجماعة تُخطط أصلا لامتلاك أذرع يمكن أن تكون بديلا مستقبليا لأجهزة الدولة، بما يضمن إحكام قبضتها على السلطة والقدرة على إدارة مصالحها بعيدا عن اعتبارات الأمن القومى والمؤسسات الوطنية الصلبة، ومع تبدد الحلم بالهبة الشعبية الحاشدة سارع التنظيم لكشف أوراقه. بدأ الأمر بإعلان تشكيل مجلس حرب فى سيناء من فوق منصة رابعة بالتزامن مع بيان الثالث من يوليو المنحاز لإرادة المتظاهرين، ثم خططوا لتنظيم اعتصام مسلح ضمن تطلع لإعلان الاستقلال بسيناء، وكان قيادى الجماعة محمد البلتاجى أقل مواربة فى ذلك عندما قال تصريحه الشهير من قلب الاعتصام: "ما يحدث فى سيناء يتوقف فى اللحظة التى يعود فيها مرسى إلى القصر". تتابعت العمليات الإرهابية بعد ذلك، وانخرط شباب من الجماعة فى صفوف الميليشيات، ثم عاد بعضهم ليشكلوا مجموعات إرهابية بالداخل مثل حسم ولواء الثورة، لتنغلق الدائرة وتبدو الصورة واضحة للغاية، بما لا يترك أى مجال للشك فى الدور الإخوانى وراء تصاعد الإرهاب فى شمال سيناء، وسعى الجماعة المتعمد والمنهجى لإشعال تلك المنطقة واتخاذها مرتكزا دائما لتقويض سلطة الدولة وإنهاك المؤسسات.
المنسى يفضح جماعة البنا
أكثر من سبعة شهور مرت على آخر عملية إرهابية فى سيناء. وقبلها يُمكن ملاحظة تراجع وتيرة العمليات ونشاط الإرهابيين منذ انطلاق العملية الشاملة فى فبراير 2018. نجحت القوات المسلحة فى السيطرة على المشهد بدرجة كبيرة، واستكان من تبقوا من فلول الإرهابيين لتلك الوضعية التى باتوا عاجزين فيها عن الحركة. لكن مع الآثار المعنوية التى بدت واضحة مع بدء عرض مسلسل الاختيار، وإخفاق الإخوان فى تشويهه أو الطعن فيما يتضمنه من بطولات ووثائق، يبدو أن الجماعة لم تجد مخرجا إلا بتوجيه ضربة تخيلت أنها قد تؤثر على حالة الالتفاف الحاشدة حول اسم المنسى وسيرته، وأنها طالبت فلول الحلفاء فى سيناء برد الجميل الذى صنعته معهم. لكن على العكس من التوقعات زادت تلك العملية حالة الغضب من الجماعة، واشتعلت مواقع التواصل ضد الإخوان وأذرعهم الإرهابية، لينتصر "منسى" مجددا من قبره مع فضح التحالف المشبوه.
هذا الرابط بين الجماعة والإرهاب فى سيناء يُمكن معاينته فى مسار طويل من التزامن بين العمليات الدموية وحملات الإخوان ضد مصر. حدث ذلك أواخر سبتمبر الماضى باستهداف كمين "تفاحة" بالتزامن مع موجة المقاول الهارب محمد على، التى أطلقتها الجماعة ونشطت فى ترويجها، مستهدفة من خلالها تغذية المشاعر السلبية تجاه القوات المسلحة وإحداث شرخ بين الشعب ومؤسسات الدولة، لكن قبل تلك المحطة كانت هناك شواهد شبيهة، تمثلت فى قائمة عمليات وقعت بالتزامن أو على مقربة من دعوات سابقة للتظاهر فى ذكرى فض اعتصام رابعة وذكرى ثورة يناير وما عُرف بـ"ثورة الغلابة" التى أطلقت الجماعة دعواتها من خلال ياسر العمدة وعلى أبو النجا وآخرين.
تلك الممارسات التى استهدفت الإحراج وضرب التوافق الوطنى بين الأفراد والمؤسسات، لم تكن بعيدة فى جوهرها عن تحركات شبيهة إبان وجود الجماعة فى السلطة، استهدفت من ورائها توجيه رسائل ساخنة أو ابتزاز الدولة. حدث ذلك فى عملية نقطة رفح الحدودية رمضان 2012 التى تزامنت مع حملة إخوانية ضد القوات المسلحة واستهداف لقادتها وقتها، بغرض تقويض المؤسسة وإخضاعها لولاية التنظيم، وتكرر فى اختطاف جنود الشرطة بالتزامن مع حملة تمرد ودعوات التظاهر ضد الجماعة، فى رسالة تهديد بما قد تؤول إليه الأمور حال انتصار الإرادة الشعبية أو عدم مناصرة المؤسسات للجماعة، وتأكد فى واقعة إعلان مجلس الحرب بما ينطوى عليه من تهديد للمؤسسات الصلبة المعنية بملفات الأمن القومى، فضلا عن عشرات المحطات التى شهدت تجسيدا واضحا لهذا التزامن، حمل رسائل مباشرة للدولة، لكنه فى العمق كان فاضحا لعلاقة الإخوان بتلك التيارات الإرهابية، ووقوفها معها فى خندق واحد، والتنسيق والعمل المشترك بما يؤكد تطابق العقيدة والرؤى والغايات!
سر العملية وذاكرة رمضان
فى الوجه الحركى، تأتى عملية بئر العبد تحت ضغط الخسائر الكبيرة التى تكبدها الإرهابيون، وتعطل خطوط التمويل والإمداد بالمقاتلين واللوجستيات، فى محاولة يائسة لتأكيد الحضور والفاعلية، وطمأنة الرعاة إلى قدرات الفلول المتبقية وإمكانية الرهان عليها. أما فى الوجه الدعائى يُمكن اعتبارها محاولة من جماعة الإخوان للرد على صفعات التوثيق التاريخى التى يحملها مسلسل الاختيار، وفشل التنظيم ومنصاته فى كل محاولات الشحن واستعداء الأفراد تجاه الدولة ومؤسساتها. وفق تلك التركيبة تأخذ العملية أبعادا مركبة فى ضوء تحالف الإخوان والتكفيريين الممتد منذ سنوات، والمؤكد بالجوار والعمل المشترك فى مستنقع رابعة العدوية.
العملية التى تجاوزت روحانية شهر رمضان وقيمه الأخلاقية، لا تفضح المنظومة العقائدية التى تعتنقها تلك التيارات فقط، وإنما تُؤكد مسارا انتهازيا طويلا استغل تلك الأيام وما تمثله من قيمة دينية واجتماعية لدى ملايين المسلمين، وفى القلب منهم رجال الدولة والمؤسسات، فى توجيه ضربات غادرة من حيز مأمون يفترض فيه أى إنسان طبيعى أن يتراجع فقه الدم لصالح خطابات السلام واغتنام الطقس الروحانى. تلك الطبيعة الانتهازية كانت حاضرة فى رفح 2012، وفى عشرات المواقف خلال رمضان 2013 بين 8 يوليو و7 أغسطس، منها أحداث الحرس الجمهورى وأحداث المنصة ووقفة رمسيس الأولى ومحاولة اقتحام ميدان التحرير وأحداث مسجد الاستقامة ومسيرة البحر الأعظم وقطع طريق قليوب والتعذيب داخل رابعة وتحت منصة الاعتصام، والتخطيط لموجة العمليات التى انطلقت بعد أسبوع من عيد الفطر باقتحام وإحراق مساجد وكنائس وأقسام شرطة ومتاحف ومنشآت عامة وتفجيرات ومحاولات اغتيال خلال أغسطس وسبتمبر 2013، إضافة إلى مذابح رفح الثالثة والرابعة، ومذبحة الفرافرة يوليو 2014، واغتيال النائب العام هشام بركات يونيو 2015. فى كل تلك المحطات كان شهر رمضان شاهدا على تطابق رؤى الإخوان والتكفيريين، وعلى تحالفهم القديم الذى جرى تجديده وتوطيد دعائمه فى مستنقع رابعة.
ربما يبدو للبعض أن ربط العملية الإرهابية بمسلسل الاختيار ينطوى على قدر من التبسيط أو سطحية النظر المتفحص لذهنية التكفيريين. لكن فى حقيقة الأمر فإن الإقدام المتعجل على تنفيذ استهداف بعبوة ناسفة، وأن يكون الأمر فى الأسبوع الأول من رمضان، وبعد شهور من توقف العمليات، ورغم الحصار والضغوط التى تعيشها فلول الإرهاب مع ضربات الأجهزة الأمنية وتوقف الدعم، تؤكد جميعا أن هناك رغبة مُلحة دفعتهم لتنفيذ تلك العملية على وجه السرعة، ومع ربط السياقات فإن الأمر لا يبتعد عن تأثيرات مسلسل الاختيار، ليس بوصفه عملا فنيا كثيف المشاهدة، وإنما فى ضوء طبيعته التوثيقية لجرائم الإخوان وجماعات الإرهاب فى سيناء وخارجها، فضلا عن فاعلية سيرة المنسى وزملائه فى تذويب جهود سنوات من محاولة تشويه الدولة وجيشها، ثم فضح التكفيريين بتمثيل جرائمهم وإعلان محطات فشلهم، بما يزيد اهتزازهم النفسى وانكشافهم أمام الرعاة والممولين، لذا سعى الخارجون من تحالف رابعة، من الإخوان والتكفيريين، إلى محاولة تحجيم تلك الموجة الإنسانية والوطنية، والبحث عن أى مدخل لزعزعة حالة الثقة الشعبية، وإثارة الشك فى قلوب المصريين، لكن على العكس من تلك التطلعات كان الأثر المباشر للعملية مزيدا من الثقة والدعم والمساندة والاحتفاء بالأبطال والشهداء، وهجاء الإخوان وشركائها من عصابات الإرهاب.
- بلد متماسك وأبطال جدد
بينما سعت جماعة الإخوان عبر قنواتها ولجانها الإلكترونية، ثم من خلال فلول الإرهاب فى سيناء وعملية بئر العبد، إلى إطلاق رسائل دعائية مضادة للحالة التى يمثلها "الاختيار"، وأجواء التلاحم المتصاعدة على هامش سيرة المنسى والشهداء وتوثيق جرائم الجماعة الإرهابية، أحدثت كل تلك المساعى أثرا عكسيا من عدة جوانب، الأول أنها رسخت موقف الرفض الشعبى للتنظيم والإجماع الوطنى على احترام المؤسسة العسكرية ودعمها، وثانيا فقد فضحت تطابق رؤى الإخوان مع الجماعات التكفيرية وعملهم فى إطار رؤية واحدة وأهداف متطابقة، والأهم أنها أكدت رسائل المسلسل عن ثبات المقاتلين المصريين وصلابة مؤسسات الدولة، وأنه فى مقابل كل إرهابى أو عميل هناك آلاف آخرون اختاروا الوطن، وأن تلك الجرائم تزيدنا بأسا وثقة.
كتب الرئيس عبد الفتاح السيسى عبر "فيس بوك" ناعيا شهداء بئر العبد، ومؤكدا أن "قوى الشر لا تزال تحاول خطف هذا الوطن، لكننا بفضل الله ثم بفضل أبناء مصر وجيشه القوى صامدون بقوة وإيمان"، وأدان مفتى الجمهورية شوقى علام الجريمة النكراء، مضيفا أن "الإرهاب الآثم يسعى بكل قوة لنشر الخراب والدمار فى كل مكان، ويستهدف خير أجناد الأرض؛ لأنهم يتصدون بكل قوة لعملياتهم الإجرامية ويقدمون أرواحهم بطيب خاطر فداء لوطننا الغالى"، مشددا على أن شهداءنا فى الجنة وقتلاهم فى النار، وأن تلك الدماء "ستكون لعنة تحل على هؤلاء المجرمين المفسدين الخائنين"، وتتابعت الإدانات من شيخ الأزهر والحكومة ووزارة الداخلية ومجلس النواب، وبقدر هذا الموقف الجاد والواضح، كانت مواقف مئات السياسيين والإعلاميين والشخصيات العامة عبر بيانات وتدوينات متتابعة، كما انفجرت موجة كاسحة من التنديد وانتقاد جرائم الإخوان والتكفيريين. هكذا تألم الجميع لاستشهاد الجنود، لكن الموقف أكد أننا إزاء بلد متماسك رسميا وشعبيا، وأن الجريمة حققت عكس ما كان يتمنى المجرمون.
جماعة الإخوان حاولت استغلال الأمر منذ اللحظة الأولى. نشط عدد من وجوه الجماعة فى تلوين الجريمة ومحاولة توظيفها سياسيا، مستخدمين آلياتهم المعتادة من اختلاق المعلومات وزرع الشكوك وشحن المتابعين. استخدموا جمعيا تعبير "مقتل" بدلا من استشهاد، ونشرت شبكة رصد وقنوات الجماعة والمنصات التابعة للجزيرة القطرية الخبر بالصيغة نفسها، لكن كانت أكثر حلقات الرقص على دماء الشهداء فجاجة مع تزوير قائمة أسماء بخط ردىء على ورقة بيضاء، نشرها هيثم أبو خليل وحمزة زوبع، قائلين إنها تضم شهداء العملية الإرهابية بينما تشير الورقة المصطنعة إلى دين شهيد ومصاب قبطيين، فى محاولة ساذجة لاختلاق حالة فتنة بعدما فشلت فتنة العملية نفسها، وبالفعل سارعت حسابات تابعة لشباب من الجماعة، إلى جانب حسابات مجهولة على تويتر وفيس بوك، بترويج ملحق الجريمة على نطاق واسع، لكنها قوبلت بردود فعل حادة وصارمة من أغلب المتفاعلين على تلك المنشورات.
المؤكد أن عملية بئر العبد تجسد محنة الفلول المتبقية من مجموعات الإرهاب، بعدما ضاقت مسارات تمويلها وجُففت أغلب قدراتها الحركية. وبقدر الخسارة الوطنية والإنسانية بارتقاء شهداء من أبطال القوات المسلحة، فإن تأكيد صلابة الدولة ومؤسساتها، ورفض المجتمع لدموية الإخوان والميليشيات الحليفة، وإثبات فاعلية الوثيقة التاريخية التى يدشنها "الاختيار" وسيرة العقيد المنسى وزملائه الشهداء، تؤكد كلها أن تلك النوعية من الممارسات لن تقوض الدولة كما يستهدف الإرهاب ورعاته، وأن طابور الاختيار لن يعدم الملتحقين به ممن يقدمون الوطن على الحياة، وإذا كانت حكاية المنسى قد أربكت كل تحالفات الإرهاب ووضعتها أمام حقيقتها وتاريخها الدموى، فإن عشرات مثله خارج المسلسل، لكنهم أبطال حقيقيون لـ"الاختيار"، ستتجدد سيرتهم كل يوم فى أبطال آخرين، وسيظل الإزعاج قائما؛ إلى أن تنتهى سيرة الإرهاب!