أصدرت الدائرة المدنية "الإثنين د" – بمحكمة النقض – حكماَ مهما رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية بشأن إيصالات الأمانة، قالت فيه: " إيصال الأمانة الموقع على بياض لا يصلح لإثبات المديونية، ولا يدل بذاته على صحة وجدية سبب الالتزام ولا يصلح دليلاَ على نفي صوريته"، وذلك على الرغم من أن العديد من الأحكام القضائية تُقر بصحة التوقيع على بياض باعتباره يكسب البيانات الموقع عليها حجية الورقة العرفية.
صدر الحكم فى الطعن المقيد برقم 19624 لسنة 88 ق برئاسة المستشار يحيى جلال، وعضوية المستشارين مجدى مصطفى، ووائل رفاعى، ورفعت هيبة، وهانى عميرة، وبحضور رئيس النيابة أحمد شكرى، وأمانة سر عادل الحسينى إبراهيم.
الوقائع .. المدعى يطالب بمبلغ 340 ألف جنية بالإضافة إلى الفوائد والتعويض
الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المطعون ضده بعد أن رفض أمر الأداء المقدم منه أقام على الطاعن الدعوى رقم 194 لسنة 2015 أمام محكمة بلقاس الابتدائية طالباَ إلزامه بمبلغ 340 ألف جنية بالإضافة إلى الفوائد والتعويض عن الأضرار المادية التي لحقته على سند من القول أنه يُداينه بهذا المبلغ بموجب إيصال أمانة، وقد رفض سداده رغم إنذاره فأقام الدعوى.
وبعد إقامة الدعوى – قضت محكمة أول درجة بإلزام الطاعن بالطلبات عدا التعويض، واستأنف الطاعن الحكم بالاستئناف رقم 2740 لسنة 67 ق أمام محكمة استئناف المنصورة وتمسك بصورية سبب الالتزام، وأحالت المحكمة الدعوى للتحقيق وبعد أن استمعت لشاهدى الطاعن قضت بتاريخ 19 أغسطس بتأييد الحكم المستأنف، وطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة.
وحاصل ما ينعاه الطاعن بأسباب طعنه على الحكم المطعون فيه الفساد فى الاستدلال، إذ أقام قضاءه بإلزامه بالمبلغ المطالب به على ما قرره شاهداه من أنه وقع على الإيصال سند الدين على بياض ثم سلمه طواعية واختياراَ للمطعون ضده فيكون ملزماَ بالمبلغ الثابت به، رغم أن الشاهدين أضافا فى أقوالهما أن الإيصال حُرز ضماناَ لنقله حيازة زراعية للمطعون ضده وأنه أوفى بالتزامه، مما يبرئ ذمته من تلك المديونية، مما يعيب الحكم ويتسوجب نقضه.
ذكر سبب الالتزام فى سند الدين لا يحول بين المدين وإثبات صورية هذا السبب
المحكمة فى حيثيات الحكم قالت أن هذا النعى فى محله – ذلك بأنه لما كان مؤدى نص الفقرة الثانية من المادة 137 من التقنين المدنى أن ذكر سبب الالتزام فى سند الدين لا يحول بين المدين وإثبات صورية هذا السبب، فإذا أقام الدليل على صوريته وأن السبب الحقيقى هو تحريره كضمان لتنفيذ إلتزام معين، وكان تحرير السند كضمان يتوافر به السبب فى وجوده ومشروعيته فإن براءة ذمة المدين من قيمة هذا السند ضماناَ للوفاء به، وكانت السلطة التامة لمحكمة الموضوع فى تقدير أقوال الشهود مشروطة بألا تصرفها عن مؤداها الواضح الذى يقع عليه الفهم دون حاجة إلى اجتهاد أو تنحرف بها عن مفهومها المتبادر منها.
إيصال الأمانة حرره كضمان لتنفيذ التزامه بنقل حيازة الأرض الزراعية
لما كان ذلك – وكان الواقع في الدعوى أن المطعون ضد قد أقامها بطلب الحكم بإلزام الطاعن بأن يدفع له مبلغ 340 ألف جنية والفوائد تأسيساَ على أنه بموجب الإيصال موضوع النزاع تسلم منه هذا المبلغ لتوصيله إلى أخر فلم يؤده إليه، وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه أمام محكمة الاستئناف بصورية سبب الالتزام المذكور في الإيصال وبأنه حرره كضمان لتنفيذ التزامه بنقل حيازة الأرض الزراعية مملوكة له إلى المطعون ضده نفاذا لعقد المقايضة المبرم بينهما، فأحالت المحكمة الدعوى للتحقيق ليثبت الطاعن دفاعه المتقدم، وبعد أن استمعت إلى أقوال الشهود استخلصت من أقوال شاهدى الطاعن أن تسليم الإيصال سند الدعوى المطعون ضده كان اختياريا وأن توقيعه من الطاعن على بياض يُعد بمثابة تفويض للمطعون ضده بملء بياناته، ورتبت على ذلك تأييد الحكم المستأنف بإلزام الطاعن المبلغ المقضى به متخذة من أقوال الشاهدين دعامة أساسية لقضائها.
الحيثيات: لا يصلح دليلاَ على نفي صوريته
وكانت أقوال الشهود تفيد فى غير لبس أو إبهام صورية سبب الالتزام الوارد بهذا الإيصال وتفصح عن أن السبب الحقيقى لصدوره كضمان لتنفيذ الالتزام المذكور فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صرف تلك الأقوال عن مؤداها الواضح الذى يقع عليه الفهم بغير اجتهاد وانحراف عن مفهومها المتبادر منها، فضلاَ عن أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه بشأن التسليم الاختيارى للإيصال موضوع الدعوى للمطعون ضده – أياَ كان وجه الرأى فيه – لا يدل بذاته على صحة وجدية سبب الالتزام ولا يصلح دليلاَ على نفي صوريته فإنه يكون معيباَ بالفساد فى الاستدلال بما يوجب نقضه.
وحيث أن الموضوع صالح للفصل فيه – ولما تقدم وكان الطاعن قد تمسك بأنه أوفى بالتزامه بنقل الحيازة إلى المطعون ضده والذى حرر الإيصال سند الدعوى ضماناَ للوفاء به ودل على ذلك بأقوال الشهود الذى أكدوا ذلك وهو ما لم ينكره المطعون ضده أو يجادل فى صحته طول مراحل النزاع مما مقتضاه براءة ذمة الطاعن عن قيمة الإيصال موضوع الدعوى ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة