نقرأ معا كتاب "الحفريات: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف كيث طومسون، وترجمة أسامة فاروق حسن، ومراجعة هبة نجيب مغربى، والصادر عن مؤسسة هنداوى.
ينطلق الكتاب من فكرة "كيف تدعم الحفريات نظرية التطور؟ ما مفهوم "الحفريات الحية"؟ وما نوعية الحفريات التى سيخلفها جيل اليوم وراءه؟ لم تكن الحفريات دومًا أمرًا يسير الفهم؛ فلطالما كان ثمة شكوك حول ماهيتها وما تعنيه، بل وفى بعض الأحيان كان مجرد وجودها يمثل تهديدًا للآراء السائدة بشأن نشأة الحياة وعُمر كوكب الأرض، استنادًا إلى أحدث التفسيرات العلمية، يربط كيث طومسون الحفريات بحياتنا فى سياق عملى وواقعى، مسلطًا الضوء على تأثيرها على علم الأساطير والفلسفة وعلى مفهومنا عن الزمن، فضلًا عن الثقافة الشعبية..
يقول الكتاب:
إن علم المتحجرات علم مشوق ومفعم بالإثارة، لأننا لا نزال لا نعرف "سجل الحفريات" معرفة كاملة، فكل حفرية ما هى إلا تمثيل جزئى للكائن الحى الأصلى، والحفريات التى يتم جمعها معًا تمثل بصورة غير مكتملة مجتمعاتها الأصلية أو سلالاتها، كذلك فإن أفكارنا عن الحفريات غير مكتملة أيضًا؛ فلا يزال أمامنا الكثير لكى نتعلمه منها عن تاريخ الأرض وعن النظرية المحورية العظمى لسائر علم الأحياء: نظرية التطور.
إن سجل الحفريات ملىء بالكائنات المنقرضة التى تتجاوز أقصى ما توصل إليه خيال أفلام الخيال العلمى بكثير، وهو أيضًا ملىء بالثغرات بنفس القدر تقريبًا، بعض الأنواع تم التعرف عليها من آلاف العينات، والبعض من حفنة من العينات، وسوف تتواصل الاكتشافات الكبرى، ومن المحتمل أن يؤدى ذلك إما لفتح خطوط جديدة من الفكر أو دحض الأفكار القديمة، فكل حفرية جديدة تعادل نقطة بالغة الصغر فى صورة هائلة الحجم، صورة متطورة لعوالم بالغة القدم كانت تحيا ذات يوم، فالحفريات سبيلنا الوحيد نحو إعادة اكتشاف تلك العوالم.
يوجد سوء فهم شائع لسجل الحفريات يتمثل فى الاعتقاد بأنه يوثق لعملية سلسة من التنوع البيولوجى المتطور التدريجى، فى حالة بعض المجموعات، من أمثال الثدييات والطيور، وبعض التحولات الرئيسية مثل أصل الفقاريات رباعية الأرجل (البرمائيات والزواحف والطيور والثدييات؛ وأستخدم على امتداد صفحات هذا الكتاب المصطلحات بمفهومها الشائع قديم الطراز) ونشوئها من الأسماك — وحتى فى حالة أصل البشر — فقد أدت الاكتشافات التى وقعت مؤخرًا إلى تقدم واضح فى فهمنا للأمور وسدت العديد من الثغرات.
غير أن سجل الحفريات ملىء أيضًا بمجموعات من الكائنات التى ظهرت إلى الوجود فجأة، وازدهرت أحوالها، ثم اختفت مرة أخرى، وعلى الرغم من أننا ربما نكون على علم بالمجموعة الكبرى (الشعبة أو الطائفة) التى تنتمى إليها، فإن آباءها فى سلسلة التطور لا يمكن تمييزهم فى السجل حسبما نعرفه الآن ويبدو أنها لم تخلف ذرية.
وتتضمن أمثلة تلك المجموعات التى تبدو لا أصل لها بعضًا من أنجح أشكال الحياة القديمة، مثل الأنواع الغريبة التى تنتمى إلى حقبة الباليوزى المسماة بالقرشيات الشوكية، وأسماك مدرعة بدروع ثقيلة تسمى لوحيات الأدمة (ذوات الصفائح)، ولافقاريات شديدة التميز وإن كانت متوافرة بأعداد غزيرة مثل الجرابتوليتات وثلاثى الفصوص، وعشرات من المخلوقات الأقل شهرة. وعلى هذا الصعيد، لا يزال أمامنا الكثير من العمل للقيام به.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة