إحياء التراث التاريخى للبلدان أهم المشروعات التى تعيد الحياة إليها وتجعلها قبلة للسياحة بصورة أكبر خلال الفترة المقبلة لمعرفة تاريخ تلك المواقع التاريخية والتراثية الأصيلة فى حياة تلك المناطق والمدن والبلدان المختلفة حول العالم، وهو ما تقوم به وزارة الآثار حالياً حيث يعكف رجال الآثار وفرق الترميم بجنوب الصعيد فى إحياء التراث التاريخى لـ"وكالة الجدواى" التراثية بمدينة إسنا، والتى كانت نقطة تلاقى تاريخية حقيقية بجنوب محافظة الأقصر على مر العصور، ومقر تلاقى التجارة القادمة من القوافل الإفريقية لبيعها بمصر للتجار من مختلف أرجاء محافظات ومدن مصر التجارية القديمة.
ومن جانبه قال رئيس الإدارة المركزية للشئون الهندسية ومشروعات الآثار والمتاحف، إن العمل يسير بشكل منتظم، بوكالة الجداوى فى مدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر، لسرعة إنجاز الترميم والتطوير بالمشروع، مع اتخاذ كافة التدابير الاحترازية لمنع تفشى فيروس كورونا المستجد.
وأوضح رئيس الإدارة المركزية للشئون الهندسية ومشروعات الآثار والمتاحف، أن أعمال الترميم تمت منذ حوالى عامين، بالتعاون مع إحدى شركات إحياء التراث القديم وتنمية المجتمعات المتكاملة، وباستخدام الوسائل والمواد العملية، حسب ما هو متبع عالميًا، مضيفاً أن أعمال ترميم الوكالة تتضمن الأعمال الإنشائية والمعمارية، وتجديد شبكة الصرف الصحى بها، وتغذيتها بالمياه، وأعمال الإضاءة والإنارة، إضافة إلى إعادة توظيفها بما يضمن بقائها عامرة بالأنشطة لخدمة البيئة المحيطة بها.
وفيما يلى يرصد "اليوم السابع"، تاريخ تلك الوكالة التراثية المميزة فى جنوب الصعيد ودورها فى حركة التجارة القديمة فى صعيد مصر، وهى المكتوب على واجهتها التى يتم ترميمها حالياً (نصر من الله وفتح قريب).
تلك الوكالة اشتهرت بجلب "الصمغ العربى وريش النعام وسن الفيل والشيلان" من القوافل الإفريقية لبيعها بمصر.
ويسرد كبير مفتشى آثار إسنا وأرمنت، أنه يعود تاريخ "وكالة الجداوى" فى مدينة إسنا للعصر المملوكى والتى تم إنشاؤها فى عام 1712م على يد حسن بك الجداوى أحد زعماء المماليك، وسميت بهذا الاسم لمالكها الذى أطلق عليه لقب الجداوى لأنه كان يتولى إمارة جدة وتوفى عام 1800م.
وتابع: الوكالة كانت تعد مقرا مميزا فى مدينة إسنا مركز التبادل التجارى الكبير فى صعيد مصر، حيث كانت تمر بها القوافل التجارية والبضائع المختلفة القادمة من إفريقيا، حيث يوجد فى واجهتها "نص تأسيسى" يشرح تاريخها كواحدة من أهم الوكالات التجارية فى الصعيد والمسجلة ضمن الآثار الإسلامية، وكانت تستخدم لإقامة hلتجار وبيع وشراء للسلع والحاصلات، وعرفت فيما بعد بالوكالة الإسلامية.
ويضيف كبير مفتشى آثار إسنا وأرمنت لـ"اليوم السابع"، أن مقر الوكالة يوجد بالقرب من معبد "خنوم" بوسط المدينة ومنذ عدة سنوات ومع تغير الزمن تعرضت لعدة أضرار أضرت بهويتها وتاريخها، وكانت مهددة بالإنهيار وسقوط بعض أعمدتها وجدرانها حيث أن الواجهة تعرضت للتشقق ووقع فيها هبوط أرضى فى عدة أماكن داخلها، وتضررت أرضية الوكالة كثيراً خلال مشروعات سحب المياه الجوفية من معبد إسنا، فقررت الوزارة العمل على تطويرها وإعادتها للحياة مجدداً لتدخل قائمة المزارات التاريخية والسياحية بمصر.
وأوضح أن "وكالة الجداوي" لها موقع مميز بوسط المدينة حيث إنها تطل على المعبد وترتفع واجهتها 8 أمتار، ويوجد فى تلك الواجهة ما يسمى بـ"نص تأسيسى" مكتوب عليها تاريخ الوكالة وكذلك نقوش مميزة وكتابات لسورة الإخلاص و"نصر من الله وفتح قريب" وكذلك "وبشر المؤمنين يا محمد"، وفى الداخل يوجد بالوكالة طابقين فى كل طابق غرف مخازن وغرف للعمال والمغتربين الذين كانوا يعملون فيها من قبل، وبعض المحلات التجارية التى كانت تتبادل البيع والشراء، والمحلات جميعها مفتوحة على طرقة أو ممر داخلى ليسهل حركة البائعين والمشترين وعرض المنتجات وغيرها، وتضم بهو مسقوف على شكل طبق مغطى، ويوجد فى المنتصف فناء كبير تدور حوله المحلات فى شكل وطراز معمارى مميز.
ويؤكد كبير مفتشى آثار إسنا وأرمنت، أن الوكالة كانت قد خضعت لعملية ترميم عام 1990 ولكنها واجهت الخطر مجدداً حيث تعانى من سوء حال واجهتها الرئيسية ومبانيها وتشقق بعض جدرانها، بالإضافة لحدوث هبوط أرضى بأماكن متفرقة بالوكالة، فقررت الوزارة تأمين الواجهة بالصلب والخشب لحين البدء فى ترميمها خلال الفترة المقبلة.
فيما صرح مدير منطقة آثار إسنا وأرمنت، بأن وكالة الجداوى، أو الوكالة الإسلامية، كانت عبارة عن محطة للقوافل التجارية السودانية، حيث إن التبادل التجارى بإسنا بين مصر والسودان كان عميقة لإتصالها بدرب الأربعين الذى يصل بين دارفور وأسيوط، حيث كانت مصر تستورد من السودان "أعشاب طبية وجمال وخيول وحمير، وسن الفيل"، موضحاً أن الوزارة قامت بعمل دراسة معمارية أثرية وترميم دقيق للوكالة، بلغت تكلفتها حوالى 8 ملايين جنيه، حيث قاموا بعمل صلب لواجهتها المعمارية الأثرية، وهى الوكالة التاريخية التى كانت تشهد التبادل التجارى لكون السودان كانت تستورد من مصر عدة منتجات مختلفة، منها "الفركة - السكر – الشاى"، وكانوا يفضلوا "السكر" وكانوا يقومون بتكسيره إلى قطع صغيرة، بالإضافة إلى الزيوت، وكان الطابق العلوى داخل الوكالة عبارة عن فندق للتجار والدور الأرضى كانت توضع داخله الدواب الخاصة بهم.
وأضاف مدير منطقة آثار إسنا وأرمنت لـ"اليوم السابع"، أن أعمال ترميم وكالة الجداوى خلال تلك الفترة تشهد زيارات متكررة من وفد المعونة الأمريكية، حيث يضم الوفد مجموعة من ممثلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بمصر، مشروع "إعادة اكتشاف الأصول التراثية الثقافية لمدينة إسنا"، وذلك دعمًا لجهود كل من محافظة الأقصر ووزارة الآثار، لإحياء تراث المدينة والمحافظة عليه، وذلك فى إطار الاتفاقية المشتركة بين حكومتى مصر والولايات المتحدة الأمريكية بشأن الاستثمار المستدام فى السياحة بمصر، والتى تتم بالتعاون بين وزارات الآثار والتعاون الدولى، والسياحة، بالإضافة إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث تهدف الاتفاقية إلى زيادة تنافسية قطاع السياحة، من خلال تطوير مواقع التراث الثقافى فى مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة