من يتابع الآراء والبوستات على مواقع التواصل من بداية أزمة فيروس كورونا، سوف يجد نفسه ليس أمام تنوع واسع للآراء لكن أمام تناقضات كبيرة واختلافات تكاد تشير إلى مواطنين لا يبدو أنهم يعيشون فى مكان وظروف واحدة، وبعض الآراء لا ينطلق من معرفة أو محاولة للفهم بقدر ما يعكس حالة من اليقين مع بعض الجهل والادعاء.
نظرة واحدة على آراء يطالب أصحابها وما زالوا بإغلاق كامل، باعتبار أن الحكومة تأخرت فى الإغلاق والحظر الشامل وأن عدم الاستماع لرؤيتهم هو السبب وراء التفشى. بعض هؤلاء مصابون بحالة «الفهم الادعائى» ولا يفكرون فى ظل غرورهم أن يلقوا نظرة على دول العالم والعدوى والوفيات، ولو فعلوا سوف يكتشفون أن كل بلد اتخذ إجراءات بناء على كلام الخبراء ولاتوجد اختلافات بين دول أغلقت تماما أو جزئيا أو رفضت الإغلاق . ثم أن الأزمة تحدث لأول مرة حيث ولا خبرات سابقة يمكن الاستناد إليها. وهناك عناصر غامضة فى العدوى والوفيات وان دولا لديها نظام طبى وإجراءات قوية عجزت عن مواجهة الفيروس ومنعه.
الأمر بحاجة لبعض التواضع وعدم الإفراط بجلد الذات، والآخرين، والانخراط فى نشر تقارير مضروبة مترجمة لمجرد أنها ترضة شعوره المنتفش بالتعالى.
ويفضل هؤلاء مهاجمة الشعب والحكومة وهم أنفسهم يخالفون ويتزاحمون ثم يلوم الآخرين على أساس أن «التانيين غلطانين»، مثل بعض العالقين بالخارج ممن كانوا يطلبون العودة فلما رجعوا بدأوا فى تصوير فيديوهات يظهرون فيها بحالة هستيرية، ليس فيها انتقاد بقدر ما تبدو موجهة للعرض فى قناة الجزيرة وتوابعها وهو أمر يبدو أحيانا أكثر من انتقاد أو شكوى.
وقد حاولت الحكومة ووزارة الهجرة تقديم أقصى الإمكانات لاستعادة العالقين، وعزلهم حرصا على صحتهم وأقاربهم وأسرهم، وهذا حق المواطن، فى إطار الإمكانات المتاحة، والأغلبية تقدر هذا، لكن هناك من يتعمد إنتاج فيديوهات للعرض الخارجى، ولن ندخل فى نياتهم لكن بعضهم لديه أهداف، خاصة وأن القنوات تدفع بسخاء مقابل أى إساءة، وهو أمر لم يعد تخفى على أحد.
والأمر لا يتعلق بدفاع أو هجوم بقدر ما يتعلق بمنطق يغيب لدى بعض من يدلون بآرائهم فى أزمة كورونا، ويفتون بعلم أو بدون. ويفترض أن يتواضع هؤلاء قليلا ويمدوا نظرهم إلى دول العالم كله، ليعرفوا أن الدول الكبرى تشكو من خسائر ضخمة وتفكر فى إلغاء الحظر الجزئى أو الكلى.
نفس الأمر فيما يتعلق بدعوات العودة إلى العمل ومغادرة الحجر، طبعا بعض أصحاب الأعمال يهتمون بمصالحهم، وهو تفكير أصحاب الأعمال فى العالم كله، لكن لا يمكن إنكار أن هناك قطاعات مرتبطة بالأعمال يعانى أفرادها من أزمات اقتصادية طاحنة. ومن يمكنه تحمل البقاء بدون عمل لشهر أو
شهرين لن يمكنه الاستمرار.
الولايات المتحدة نفسها تسعى لاقتراض 3 تريليونات دولار، وكل دولة أوروبية لديها أزمة فى التمويل، وثورة الاتصال تجعل الناس لدينا يشاهدون ويقرأون كل هذا على الهواء، ومع هذا لدينا أصوات ترى أزمات الخارج وتستنكر نفس الأزمات لدينا أو تتساءل بمزايدة وخبث أين ذهبت المليارات التى تم توفيرها من الموازنة ومن الاحتياطى؟
وربما تكون الإجابة على هؤلاء بالمثل «اللى مايشوف من الغربال أعمى»، وما على هؤلاء إلا أن يطلعوا على ماهو معلن من تقارير عن إجراءات تطهير وتجهيز مستشفيات وطواقم طبية وأدوية، وتحاليل تتكلف يوميا أكثر من مليونى جنيه، وأدوات وقاية وتعقيم وتعويضات ومعونات للعمال المؤقت واليومية، وشركات السياحة مع تأخير تحصيل ضرائب ورسوم، كلها عناصر واضحة فقط يحتاج من يفتى إلى الاطلاع عليها قبل أن يرص آراء وأحكاما تخلو من المنطق وتكشف عن تربص غير حميد.
الأزمة كبيرة، وتحتاج إلى تفهم الدولة والمجتمع والتخلى عن روح المزايدة والتربص والادعاء الفارغ. أول خطوة نشر الوعى واتخاذ الاحتياطات، وليس مهاجمة الآخرين، فى مواجهة ربما تطول وتحتاج إلى نفس طويل وليس فقط لايك وريتويت.