طبعا نحن في زمن المعلومات والاتصالات وأدوات التواصل، التي يفترض أنها تجعل العالم قرية صغيرة، يعرف سكانها ما يجرى ويتواصلون ويتقاربون ويختلفون ويتفقون، لكن مع أزمة مثل فيروس كورونا، يبدو المواطن حائرا ما إذا كانت المعلومات الكثيفة تعنى المعرفة ويمكنها أن تريح المواطن وتوفر له ما يكفى لطمأنته، أم انم كثافة المعلومات تمثل ضغطا إضافيا لايقل عن ضغط الفيروس.
المواطن بالفعل يعنى من الضخ المتسارع للأخبار والتقارير، والتناقض الذى لايقل عن كثافة المعلومات نفسها. فضلا عن التضارب في وجهات النظر بشكل يجعل مواطنين فى نفس البلد والظروف والموقع الاجتماعى يختلفون تماما، وكل منهم يطالب الدولة والحكومة بإجراءات تختلف وتتعاكس مع ما يطالب وينصح به زميله المواطن الثاني او الثالث والرابع حيث كل منهم برأى وبوجهة نظر يراها هى الأكثر صحة وصوابا ودونها الخطأ التام والموت الزؤام.
أكثر ما يلفت النظر في التعامل مع فيروس كورونا هو المتابعة الإخبارية من قبل كثيرين يسجلون أرقام الإصابات في مصر وكأنهم يتابعون نتائج مباراة فى كرة اليد، ويقارنوها بالأرقام والمعلومات في العالم ليبدؤوا في استنتاجات وتحليلات اغلبها يدور ويتشعب على صفحات التواصل ويحمل إما تحذيرات أو نصائح أو توصيات لكنها غالبا موجهة لآخرين.
ونقصد الانقسام التام بين أنصار الإغلاق الشامل للبلد، والفتح التام، وما بينهما من اقتراحات حظر جزئي او نصف حجر، وطبعا يفترض أن من يتخذ القرار يطلع على مطالب الفئات المختلفة ومصالحها ليكون القرار قائما على أراء خبراء درسوا الأمر من جوانبه، وقد يختلف البعض مع القرار أو يتفقوا لكن في النهاية المسئولية تقع على من اتخذ القرار. فيما يتعلق بالفتح أو الإغلاق.
وغالبا ما يوجه الخبير نصائحه لآخرين دولة وحكومات واشخاص آخرين، لكنه لايخاطب نفسه ولا يرى انه يمكن أن يكون على غير حق، أو ان نصيحته بالتأكيد مرت على ناس يفكرون بنفس الطريقة.
و هذا الشخص الخبير يضع نفسه عادة” فوق الأشياء وبجوار الحاجات”. والأكثر لفتا للنظر هو أن السادة “ الشاملين” يقدمون توصيات للشعب والحكومة وربما للعالم، وينسون أنفسهم، في زحام حالة الحكمة التي تتلبسهم وتحول كل عضو بفيسبوك إلى خبير شامل جامع مانع. ما بين مستخدم فيس بوك يعيش حالة المطلع القريب من دوائر المربعات السيادية، يبدأ فى نشر توقعات بقرارات هو فى الواقع نقلها من غيره وبثها على أنها من مصادره، مثل خبر ان هناك قرار بتشديد او تقليل إجراءات الحظر نشره عشرات نقلا عن عشرات قبل واثناء كل اجتماع للحكومة، ويصدر القرار مخالفا لتوقعاتهم ولكنهم يصرون على نشر المعلومات المضللة وكان شيئا لم يحدث.
نفس الشيء فيما يتعلق بالأخبار الخاصة بالتوصل إلى علاج او لقاح للفيروس، وكلها تكهنات وتقارير صحفية لايعنى نشرها فى منصات صحف او شبكات إخبارية أجنبية أنها صحيحة، هي مجرد اجتهادات، وبعضها لايتجاوز كونه فبركة وتزوير وأخبار مضروبة، ويعلم من يتابعون الإعلام عالميا وإقليميا كيف تنشر الكثير من التقارير المفبركة على انها حقائق. وآخرها تقارير عن كوريا الشمالية كتبها مراسلون معتمدون اتضح أنها جميعا مجرد فبركة لا أصل لها.
فى غير أزمة كورونا قد لا تظهر هذه العيوب والحيرة، ، لكن الأمر مع فيروس خطير مثل كورونا يختلف، و يحتاج إلى التروي والمراجعة والتأكد من المصادر التي يتم النقل منها. لكن الواقع غير المأمول، ومن بداية أزمة كورونا، لم تتوقف عمليات نقل وتشيير الأخبار المشمومة والتقارير المضروبة، مما يضاعف من خوف الناس او يطمئنهم أكثر، وفى كل الأحوال يتلاعب بمشاعر ملايين. وللأسف فان هذه الجرائم تتم على صفحات التواصل الاجتماعي يرتكب بعضها إعلاميون بعضهم يدعى المعرفة السيادية المعيقة، والبعض الآخر يزعم الإطلاع على كل ما هو افرنجى، وكلاهما ينشر الجهل والحيرة.