هو أحد أئمة المسلمين، وصاحب التصانيف البديعة، والذاب عن الشريعة الحنيفية، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء الإمام العلامة، أوحد المتكلمين، عرف بذكائه ودهائه الشديد، وشدة ورعه وتقوته وذهده في الدنيا، كان سيفا على المعتزلة والرافضة والمشبهة.
بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لازما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعى عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام غلغل العدل فى نفوسهم فأظهروه فى أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا فى إعادة الحقوق إلى أصحابها فى أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام فى أى مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس فى وجودهم، وتسعد الدنيا بهم.
من بين هؤلاء القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم الباقلاني، ولد في عام 338 هجريا في مدينة البصرة، تلقى علم الكلام عن أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن مجاهد الطائي صاحب الأشعري، كان لقلمه الأثر القوي في تمزيق حجج الفاطميين.
روى أن " عضد الدولة " كان يكثر من بعث القاضي " أبى بكر الباقلانى " لمناظرة النصارى في عهده، وذلك لما عرف عنه بإشتغاله بالدفاع عن الدين والعقيدة الإسلامية ضد كل الذين يحاولون النيل والتشكيك والطعن فيه.
فلما وصل إلى مدينته عرف ملك الروم خبر وصوله بالغضافة إلى مكانته من العلم الذى يحمله، فكر سريعا ملك الروم في أمره، وعلم أنه إذا دخل عليه لن ينحنى كما يفعل الأناس من رعيته، فقرر ملك الروم أن يدخل منه إلا إذا كان راكعا، فيضطر القاضي " أبى بكر الباقلانى " إلى الانحناء وخفض رأسه وأعلى جسمه كهيئة الركوع، وبذلك يكون ملك الروم أذله أمامه وأمام باقى حشيته ورعيته.
عند وصول القاضي " أبى بكر الباقلانى " إلى مجلس ملك الروم، ورأى الباب الصغير، أيقن في حينها حيلة ملك الروم الماكرة، وعلى الفور وبدون أي تردد، أدار القاضي " الباقلانى " ظهر إلى الباب الصغير، ودخل منه بالخلف وهو يمشى، مستقبلا ملك الروم بظهر حتى وصل إلى مكان عرشه، ثم رفع رأسه وأدار وجهه لملك الروم ليبدء الحديث إليه، حيئنها أجرك ملك الروم أن هذا الرجل داهية وعلى قدر عالى من الدهاء.
وبعد أن أدار القاضي " الباقلانى " وجهه إلى ملك الروم، لم يقم بإلقاء السلام عليه، ممتثلا لأمر رسول ألله عن ابتداء أهل الكتاب بالتسليم.
بدء القاضي " الباقلانى " بسؤال ملك الروم قائلا له " كيف حال أهلكم وأولادكم "، ما أثار غضب ملك الروم، حيث كان راهبا، فأجابه ملك الروم قائلا " ألم تعلم بأنا لا نتزوج ولا ننجب الأطفال "، فرد عليه " الباقلانى " قائلا " ألله أكبر، تنزهون أنفسكم عن الزواج والإنجاب، ثم تتهمون ربكم بمريم، ولا تنزهونه عن الولد "، فزاد غضب ملك الروم، فرد عليه ملك الروم بطريقة غير مهذبة ذاكر له حادثة الإفك التي وقعت في المدينة في عهد رسول إلله، فأجابه القاضي " الباقلانى " قائلا " أما والله عائشة تزوجت ولم تنجب، وأما مريم فلم تتزوح وأنجبت، فأى الطاهرتين أولى بتهمة الونا عند الفسقة "، فزاد جنون وغضب ملك الروم من بلاغة وفصاحة الرجل.
فعاود ملك الروم سؤال القاضي " البقلانى " قائلا " هل كان نبيكم يغزو "، فقال " الباقلانى " نعم "، فقال ملك الروم " فهل كان يقاتل في المقدمة "، فقال " الباقلانى " " نعم "، فقال ملك الروم " هل كان ينتصر "، فأجالبه " الباقلانى " " نعم "، فساله ملك الروم " هل كان ينهزم "، فأجابه الباقلانى " نعم "، فقال ملك الروم " عجيب أنبى ويهزم "، فقال " الباقلانى " أإله ويصلب ".
توفى القاضي الباقلانى في شهر ذي القعدة، سنة 403 هجريا، وكانت جنازته مشهودة، أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي مناديا ينادى في الناس قائلا " بين يدي جنازته، هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة. انتهى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة