أى أزمة سواء كورونا أو غيرها، حرب أو ثورة، تظهر جوانب عظيمة لدى البشر، وأيضا تظهر جوانب سيئة، نرى أبطالا ينكرون أنفسهم ومستغلين محتكرين، نقول هذا بمناسبة جدل يعود إلى الساحة، أحد أطرافه الطواقم الطبية ومدى ما يقدمونه وما يفترض أن يحصلوا عليه، وبوستات تنتشر على مواقع التواصل بعضها يحمل هموما طبيعية ومطالب مشروعة، والبعض الآخر يبدو نوعا من الإفزاع والتخويف أكثر منه يهدف للإصلاح.
خلال الفترة السابقة احتلت الطواقم الطبية سواء الأطباء أو التمريض مقدمة الفئات التى تضحى وتواجه فيروس كورونا ببطولة وإنكار ذات، أثاروا إعجاب المجتمع، وكانت هذه المشاعر عالمية وليست محلية فقط، فى مصر لعبت المنظومة الطبية الحكومية دورا مهما فى مواجهة فيروس كورونا، خاصة مستشفيات الحميات، وأيضا مستشفيات العزل التى انتشرت على مستوى البلد، ولعبت أدوارا مهمة فى مواجهة الفيروس، ولهذا حظيت الطواقم الطبية بدعم من المجتمع، وبالفعل أصيبت أعداد من العاملين فى القطاع، وبعضهم استشهد منن المرض، وهو أمر أيضا رأيناه فى دول أوروبا حيث كانت الطواقم الطبية تلعب دورا فاعلا وأساسيا فى مواجهة كورونا.
وخلال الأزمة حاولت الدولة دعم الطواقم الطبية ماديا حسب الإمكانات ومعنويا من خلال الإعلام، وهناك اتجاه لتعديلات قانونية تنصف الطواقم الطبية وتضاعف بدلات العدوى وغيرها، فضلا عن مكافآت للطواقم التى تعمل فى المواجهة المباشرة للفيروس، بل إننا عندما حاول النائب الهامى عجينة الاستعراض والتصوير واستفزاز الأطباء فى مستشفى شربين واجه انتقادات وهجمات انتهت بحالته للجنة القيم، وكانت هناك مؤشرات على أن المجتمع والدولة يساندون الجيش الأبيض ويسعون لتوفير الإمكانات الوقائية والطبية التى تسهل عملهم، فى ظل ظروف صعبة.
الأغلبية من الأطباء والتمريض يقومون بدورهم من دون مزايدة أو ادعاء، وكالعادة فى زمن السوشيال ميديا هناك دائما أفراد ومستخدمون ينشرون أفكارهم أو قصصهم على صفحات التواصل الاجتماعى بشكل مستمر، ومنهم من ىنشر تفاصيل وقصص إيجابية، بالمقابل ظهرت أصوات أخرى تحمل شكاوى أو تطالب بمساندة الأطباء والتمريض، ووسط هذا كالعادة هناك من ركب الموجة، وحول المطالب الى مبالغة فى الشكاوى واتهامات بلا أى دليل أو قرائن، مع بعض العاملين فى القطاع ممن يمارسون نوعا من المزايدة والمن والادعاء، مع تهديدات مبطنة بأن عدم الاستجابة للمطالب يدفع الأطباء والتمريض لهجر العمل، بعض الأصوات دعت علنا الأطباء والتمريض لعدم الالتزام والتضحية فى عملهم مع أنه دورهم وعملهم.
والواقع أن من يسافر أو يهاجر لن تمنعه كلمات أو مطالب أو دعم، ومن يفكر فى الهجرة لن يتوقف لأى سبب، وهناك أعداد كبيرة تركت البلد وسافروا للخارج سواء لأوروبا أو لدول عربية، بعضهم هاجر نهائيا أو أقام، والبعض الآخر يعود فى إجازات، أو يعود ليقدم علمه وخبرته مثل نموذج العلامة مجدى يعقوب.
طبعا نقابة الأطباء لديها دائما آراء وملاحظات وآخرها توصية بفرض إغلاق كلى خلال أسبوعين من رمضان للسيطرة على العدوى، وهو اقتراح دخل حيز الدراسة، وينتظر أن تسعى النقابة لعبور التباعد مع وزارة الصحة فى ظل رغبة لبناء وتطوير المنظومة الطبية بكاملها.
بعض الأصوات المنسوبة للأطباء أو تزعم انتسابها للنقابة تلعب دورا فى النفخ وتزكية الخلافات، وحولت العلاقة مع وزارة الصحة إلى حرب، وصراع لن يكسب منه أى طرف، وبعض هذه الأصوات لا يمكن الوثوق فيها خاصة أنها تبدو بوستات جاهزة لقناة الجزيرة.
ويفترض الانتباه إلى الخيط الرفيع، بين مطالب وشكاوى مهمة وأخرى هدفها صناعة حالة من التخويف والإفزاع لا تفيد المرضى والأطباء، طبعا هناك مطالب تتعلق بأهمية توفير سبل الحماية للأطقم الطبية أو دعمهم فى حال الإصابة أثناء العمل، وفى المقابل يتم التمييز بين مطالب طبيعية وأخرى تدخل فى سياق حملات ولجان، سبق وظهرت فى عمليات تحريض للأطباء والتمريض بعدم الذهاب لمستشفيات العزل، أو تغذية صراع بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة، أو حملات سابقة التجهيز ضد وزير الصحة، مثل حملات قبل شهور حتى قبل بداية أزمة الفيروس.
الشاهد أنه من المهم الفصل بين ما هو حقيقى وما هو مصطنع، والانتباه لخيوط تفصل بين المطالب والادعاءات.