أكد الدكتور أحمد ربيع عميد كلية الدعوة الأسبق، أن الله سبحانه وتعالى سخر كل شيء في البيئة لخدمة الإنسان ، فقال سبحانه : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ *وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ " ، فالإنسان يعيش في بيئة ، هو يخدمها ، وهي أيضًا تخدمه.
وأضاف ربيع، خلال الحلقة الثامنة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بعنوان :"احترام النظام العام والحفاظ على البيئة" أن البيئة التي خلقها الله تعالى وأمرنا بأن ننتفع بها ، قامت على نحو منظوم وموزون، لا يطغى فيه شيء على شيء ، فالشمس في بعدها عن الأرض لو اقتربت أكثر لاحترقت الأرض ومن عليها ، ولو ابتعدت أكثر لتجمدت الأرض ومن عليها ، وكذلك القمر ، يقول سبحانه: " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " ، فكل شيء في الكون خلق بتوازن عجيب ؛ ليؤدي خدمة معينة للإنسان ، تجعله يستشعر بالجمال الموجود بالكون ، وينتفع به ، ويقدم نفعًا للبيئة التي يعيش فيها ، موضحا أن الشريعة الإسلامية دعت إلى الاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها ، فأرست مجموعة من المبادئ التي تعتبر من أهم الإجراءات الوقائية للحفاظ على البيئة البشرية ، ويتمثل ذلك في عناية الإسلام بالطهارة والنظافة.
كما أكد ربيع أن حماية البيئة لا تقتصر على شخص دون آخر ، إنما هي مسئولية مشتركة بين الجميع أفرادا ، وجماعاتٍ ، فالمجتمع الراقي هو الذي يحافظ علي بيئته، ويحميها من أي تلوث أو أذى ، لأنه جزء منها ، ولأنها مقر سكنه وفيها مأواه ، ولأنها عنوان هويته ، ودليل سلوكه وحضارته ، مشيرًا إلى أن الإسلام يأخذ بيد أتباعه إلى العيش في بيئة طاهرة نقية ، ويدعوهم إلى الحفاظ على البيئة التي يعيش فيها الإنسان ، إيمانًا منه بما للبيئة من أثر خطير على صحة الإنسان ومعاشه وأخلاقه ، فالإنسان الذي يضر بالبيئة التي يعيش فيها هو مفسد في الأرض " وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ " ، مشددا على أن توجيهات القرآن الكريم جاءت لحماية البيئة والمحافظة عليها والنهي عن الفساد والإفساد في الأرض بأي صورة من صور الفساد المعنوي أو المادي ، فقال تعالى: "كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ " ، فالإضرار بالبيئة وعدم الحفاظ عليها إفساد في الأرض .
وفي ختام كلمته أكد عميد كلية الدعوة الأسبق، أن الإسلام قد اهتم اهتمامًا عظيمًا بالمحافظة على البيئة ، وأمر الإنسان بالمحافظة عليها ونظافتها ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: " إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ "، كما أخبرنا تبارك وتعالى أنه يحب التوابين ويحب المتطهرين ، فقال سبحانه:" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ"، ومن ثم فعلى الإنسان أن يحافظ على البيئة التي يعيش فيها ، وعدم الفساد والإفساد فيها، ولا يكون عنصرًا ضارًّا لها .
وفي كلمته أكد الشيخ عبد الفتاح جمعة، المدير الإداري لمركز الأوقاف للبحوث والدراسات الدينية، أن احترام النظام العام مقصد ديني ، ومطلب وطني وإنساني ، فلا بد للمجتمع من نظام يسير عليه حتى لا يكون الناس فوضى بلا نظام فتضطرب حياتهم وتتعطل مصالحهم ، والنظام العام هو الأساس الذي يبنى عليه المجتمع وهو يرمي إلى تنظيم شئون أفراده وحمايتهم من كل ما يخل بأمنهم وصحتهم وراحتهم ، مشيرًا إلى أن المجالات التي يسعى النظام العام إلى العناية بها هي الأمن العام على الأنفس والأموال والأعراض والدين ، وكذلك المحافظة على الصحة العامة من الأمراض والأوبئة ، والمحافظة على الهدوء في الشوارع والأماكن العامة ويشمل ذلك احترام الإنسان لقواعد المرور وآدابه وعدم كسر إشاراته , كما يشمل المحافظة على كل ما يتصل بالشأن العام والنظام العام , والالتزام بكل ما تقرره قوانين الدولة , وكل ما من شأنه أن يرسخ أسس النظام العام ويجعل من مجتمعنا مجتمعًا منظما منضبطًا في كل شيء.
كما أكد جمعة، أن الدين يمتدح كل تصرف منتظم ويمقت كل تصرف عشوائي ، ولا تجد أحدا تعهد نفسه بالنظام إلا وتحقق له من الخير والسعادة ما لا حد له ، وعلى العكس تماما لا تجد أحدا سار في الحياة بعشوائية إلا وخسارته كانت كبيرة ، والله جل وعلا يقرر ذلك في سورة من سور القرآن الكريم وبدأها بالقسم حين قال تعالى : "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ *وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" فعمل الصالحات هو قمة النظام لأن العمل الصالح لا يكون صالحا إلا إذا كان منتظما وإذا فرغ العمل من النظام لا يعد صالحا ، وإذا نظرنا إلى شعائر الإسلام التي تقام لله رب العالمين من صلاة وزكاة وصيام وحج جميعها تؤدى بنظام ، سواء أكان في أوقاتها وزمانها أم في هيئتها ورسمها ، فلا أقل من ذلك إلا أن تقوم تعاملات الناس فيما بينهم على النظام ؛ حتى يسعدوا بحاضرهم ويستشرفوا لمستقبلهم ، أما إذا اعتاد الناس العشوائية فيقينا سيقع الهلاك والأذى ، فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : " .. وإماطة الأذى عن الطريق صدقة " ، وبمفهوم المخالفة صنع الأذى في طريق الناس معصية ، وكل فعل يصدر عن الإنسان مخالفا به النظام العام ويضر الناس يأثم الإنسان عليه ، فالذي يسير بسيارته عكس الاتجاه ويعطل السير وربما تسبب في كوارس تزهق فيها الأرواح هو مخالف بالشرع والقانون ، فالإنسان كرمه الله بالعقل ليفكر ويتدبر حتى ينتظم في حركة الحياة ، فالله خلقه لرسالة ولم يخلقه عبثا ، قال تعالى : " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" فهو خليفة الله في أرضه ليعمر الكون ، قال تعالى: "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ .." والعمارة لا تنتجها العشوائية إنما ينتجها النظام .
وفي ختام كلمته أكد المدير الإداري لمركز الأوقاف للبحوث والدراسات الدينية، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حين هاجر إلى المدينة أسس نظاما عاما يلتزم به كل من يعيش فيها ، وهو " وثيقة المدينة " حتى تنتظم حياة الناس دون انتهاك لحقوق الآخرين ، فكل عشوائية كانت سببا للانهيار أو التخلف ، وعلى العكس كل نظام كان سببا للرقي والتقدم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة