أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن فى قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح (عليهما السلام) فى سورة الكهف معانى سامية ، وقيمًا خالدة ، وآيات عديدة ، منها: تواضع سيدنا موسى (عليه السلام) فى طلب العلم ، حيث قال للعبد الصالح بأسلوب تلطف :”هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا” ، فقال العبد الصالح : ” إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِى صَبْرًا ، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا” ، فقال سيدنا موسى (عليه السلام) : “ستجِدُنِى أن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا” ، زيادة فى الأدب والتلطف .
وتابع جمعة خلال برنامج "فى رحاب القرآن الكريم" بعنوان "فى رحاب سورة الكهف3 :" فقال العبد الصالح : ” فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْأَلْنِى عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ” أى العبد الصالح ، فقال له سيدنا موسى (عليه السلام) ، “أخرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا” ، مستفهمًا ولم يقل له: قصدت أن تغرق أهلها ، فاللام فى (لِتُغْرِقَ) لام العاقبة ، أو لام الصيرورة والمعنى : سيؤدى ذلك إلى غرق أهلها ، ” لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا” ، شيئًا عظيمًا ، “قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِى صَبْرًا ، قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ ” لأول مرة ، “وَلَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا ، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ ” ، لم يتحمل سيدنا موسى (عليه السلام) فقال :” أَقَتَلْتَ نفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا” ، شيئًا منكرًا عظيمًا وكبيرًا ، ” قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِى صَبْرًا” ، فى المرة الأولى قال : ” أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِى صَبْرًا” .
واستطرد جمعة:"وفى الثانية قال: ” أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِى صَبْرًا ” ، وزيادة المبنى زيادة فى المعنى ، يا موسى حيث قد نبهتك إلى هذا ، وهنا التزم سيدنا موسى ( عليه السلام ) أعلى درجات الأدب والحياء ، حيث قال :” أن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا” ، “فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا” ، طلبا منهم الطعام أو الضيافة ، ” فَأَبَوْا أن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ”، يا موسى ساعدنى لأقيم الجدار ، فساعده سيدنا موسى (عليه السلام) ، ولما فرغا قال له : “لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا” ، فأهل القرية قد طلبنا منهم الطعام ومع هذا أبوا أن يضيفونا ، فقال له العبد الصالح: ” هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا” ، ويلاحظ هنا أنه قال : “سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا” ، بينما قال فى أواخر القصة ،” ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا” ، فقبل أن يفسر له قال النص الأول كأنه يقول له: أنت لم تطق ، فلما علم بالأمر فخفت حدة تطلعه للمعرفة جاء بالنص الثانى ، حيث أن زيادة المبنى تدل على زيادة فى المعنى .
وأبرز جمعة ما أظهره العبد الصالح من الحقائق لسيدنا موسى (عليه السلام) حيث يقول تعالى :” أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أن أَعِيبَهَا” ، لا ليغرق أهلها على الإطلاق بل لتسلم لأصحابها ، ” وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا “، قال أهل العلم : يأخذ كل سفينة صالحة غير معيبة ، وأما السفينة المعيبة فيتركها لأصحابها ، ثم يعاودون إصلاحها بعد نجاتهم ، ولا يصيبهم أذى أو مكروه ، وتبقى السفينة لأصحابها المساكين ، وهنا يقول القائل :
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلى الله بعض القوم بالنعم
قد يكون الإنسان على سفر، ويفوته الركوب فى سيارة معينة ، لحكمة يعلمها الله ويدبرها له رب العالمين ، قد تكون لينجيه من حادث أليم ، أو ذهابه لمصير محتوم ، وكذلك قد يشترى الإنسان سيارة وتكون سببًا فى هلاكه هو وأسرته ، يقول تعالى : ” وَعَسَى أن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” ، “وَعَسى أن تَكْرهُوا شَيْئًا وَيَجْعَل اللهُ فِيه خَيْرًا كَثِيرًا “، ولو علمتم ما فى الغيب لاخترتم ما فى الواقع ، ” وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ، فَأَرَدْنَا أن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا” ، فالأولاد نعمة ، والعقم نعمة ، حيث يقول سبحانه :”لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ” .
واختتم وزير الأوقاف:"قال بعض أهل العلم : ما دام أن الله تعالى ذكر العقم فى معرض النعم فيكون العقم نعمة منه سبحانه ، وحينما يبتلى الإنسان بولد عاق يعلم ويتيقن أن العقم نعمة من نعم الله تعالى ، فالولد الشقى قد يكون سببًا فى شقاء والديه ، لهذا كما يكون الولد نعمة يكون العقم نعمة ، ارض بما قسم الله لك ، فإن قسم الله لك الذكور فهى نعمة من الله ، والخيرة فى الذكور ، وإن قسم لك الإناث فهى نعمة من الله ، والخيرة فى الإناث ، وإن زوجك ذكرانًا وإناثًا فالخيرة فى هذا ، وإن ابتلاك الله بالعقم فالخيرة فيما امتحنك الله به ، ومن يتصفح الحوادث والأخبار يدرك أن الولد الشقى قد يكون سببًا فى قتل أبيه ، أو أمه ، كما قد يكون وبالًا عليهما ، “وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ، فَأَرَدْنَا أن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا” ،” وأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ” وهنا وقفة ، قال بعضهم : كان أبوه المباشر ، وقال بعضهم : الجد ، وقال بعضهم : الجد السابع ، فصلاح الآباء تمتد بركته إلى الأبناء والأحفاد ، ” فَأَرَادَ ربك أن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ” ، ومن الأدب السامى الذى رعاه العبد الصالح ، قوله فى السفينة :” فَأَرَدتُّ أن أَعِيبَهَا ” ، حيث نسب عيب السفينة لنفسه ، أما فى الجدار فقال تعالى :” وأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ” فنسب الخير إلى الله تعالى ،”فَأَرَادَ رَبُّكَ أن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا”، وهنا نقول لكل إنسان: ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، ولو علمتم ما فى الغيب لاخترتم الواقع ، فليرض كل واحد منا بما قسمه الله تعالى له.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة