لو حسبنا أموال التبرعات التى قدمها المصريون سوف نجد أرقاما ضخمة يفترض أن توجه لجهود تنمية وليس فقط جهود استعراضية، والكثير من الجمعيات أو المؤسسات التى تتلقى تبرعات لا تمارس أو تقدم أنشطة وخدمات تتناسب مع حجم ما يتم جمعه، ولا نريد هنا أن نوجه اتهامات، ولسنا جهة اتهام لكن بالفعل هناك حاجة إلى مراجعة شاملة لكل ما يتم جمعه من أموال تبرعات خيرية، لأن بعض ما يتم تداوله فى هذا الملف يمثل موازنات ضخمة وأموالا تتوجه إلى مسارات غير التى يفترض أن المواطن وجهها إليه.
هناك آلاف فى أنحاء مصر يجيدون تمثيل دور الفقير وهم ليسوا كذلك، بل هم ممثلون يجيدون لعب دور الفقير ويمكنهم أن يستدروا عطف الناس ويدفعونهم لدفع ما فى جيوبهم، هناك جيوش من المتسولين المحترفين يحصلون على ملايين، بينما الفقراء والمحتاجون فعلا ممن يعجزون عن التمثيل أو لديهم كرامة وتعفف، لا يحصلون على الأموال المقررة لهم. وبفضل المحترفين تذهب الكثير من كراتين الغذاء ووجبات الإفطار فى رمضان لمن يحترفون وليس لمن يستحقون ويحتاجون، ويتحول الأمر إلى تجارة وتفقد الفكرة والحكمة معناها.
نفس الفكرة هنا بالنسبة للمؤسسات التى تجمع تبرعات، حيث تجيد بعض الجهات الدعاية الاحترافية التى تستدر عطف الناس وتدفعهم للتبرع، بأساليب دعائية محترفة. بينما المستشفيات والمؤسسات التى تقدم خدمات مجانية لا تستطيع الدعاية وبالتالى لا تتلقى تبرعات تكفى لتغطية مصروفاتها.
ضربنا أمثلة بالمعهد القومى للأورام ومستشفيات أبو الريش للأطفال، وعشرات المستشفيات العامة والمركزية، طبعا هناك مراكز تقدم خدمات فعلية مقابل ما تحصل عليه من تبرعات مثل مركز مجدى يعقوب للقلب والذى حظى بثقة الناس لوجود توازن بين أموال التبرعات وما يقدمه المركز من خدمات أو توسعات وبحث علمى، وهو أمر مهم يضاعف من الثقة، فضالا عن وجود شخصية مثل مجدى يعقوب على رأس المؤسسة.
هناك ضرورة فعلية لمراجعة حجم التبرعات وجهات التلقى، وأنشطة الإنفاق، وفى حالة ضبط الأمر يمكن أن تكون التبرعات جهودا تنموية وليست مصادر دخل لمن يديرون هذه المؤسسات، ولا اعتراض على أن تقوم هذه المؤسسات بالدعاية لأنشطتها لكن الدعاية تتحول إلى شبكة صيد «وسنارة» لالتقاط الفرائس، وتفقد هذه المؤسسات الغرض منها، لتتحول إلى مراكز ربح وكسب وليس خدمات.
والواقع أن حجم ما يتم تقديمه من خدمات حقيقية من المؤسسات الخيرية لا يتناسب مع حجم التدفقات المالية، وفى المقابل هناك مؤسسات تقدم خدمات وأنشطة تنمية وليس فقط أنشطة تتعلق بالعطايا، ومنها على سبيل المثال صندوق تحيا مصر، والذى قدم أموالا لتمويل مشروعات نقل العشوائيات أو مكافحة فيروس الكبد سى، وتقديم تمويل لدعم جهود مكافحة كورونا، وغيرها وهى جهود تظهر بالفعل فى مرآة التنمية ولا تتوقف عند جهود استعراضية. هناك بالفعل مؤسسات أهلية تقوم بأدوار تنمية أو أدوار ثقافية وخدمية، لكن ما يقدم فى المجتمع لا يتناسب مع أعداد ودعايات هذه المؤسسات.
ونحن نتحدث عن أهمية التوسع فى العمل الأهلى، يفترض أن تكون هناك بالفعل قوانين وآليات لمتابعة ومراقبة أنشطة هذه المؤسسات والعمل الأهلى. ليكون جهدا يضيف للمجتمع ويوسع المشاركة وليس مجرد مصدر ليكون البعض ثروات لمجرد أنهم يحترفون اللعب على قلوب المتبرعين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة