من البداية والكل يعرف أن فيروس كورونا لا يمكن التعامل معه بمعزل عما يدور فى العالم، وهو أزمة مثل أى أزمة حرب أو ثورة، تظهر جوانب عظيمة وجوانب سيئة من البشر، تظهر أبطالا ومستغلين محتكرين، مخلصين ومهملين، ومزايدين. نقول هذا بمناسبة أزمة متوفرة كالعادة، عن موقع الأطباء والفرق الطبية، والتى تضمنت مطالب مشروعة، وأخرى مزايدة ودعاء وتحريض. المطالب العادلة فى توفير الحماية للفرق الطبية، وخدمة الوقاية وأيضا العلاج العاجل للأطقم الطبية، فى حالة إصابة بعضهم وهو أمر وارد، لأن العنصر البشرى فى مواجهة الفيروس هو الأكثر أهمية وما لم يحصل الطبيب والممرض والعامل على شعور الاطمئنان، لن يكون قادرا على تقديم الخدمة.
تفجرت مرة أخرى شكاوى من عدم توفير حماية للأطقم الطبية كما ينبغى، وعدم الاستجابة لحالات من الأطباء يصابون بالعدوى، مع كلام عن عدم إجراء مسحات أو تحليل وكلها يفترض أن يتم دراستها والتعامل معها، لدعم الأطباء وصمودهم فى أزمة قد تستمر معنا. وكلها مطالب مشروعة وممكنة التحقيق، ووسط هذا تتسرب أصوات ليس من أهدافها مساندة الأطباء والأطقم الطبية، لكن المزايدة والتسخين وأحيانا التحريض، ويمكن بسهولة التفرقة بين أصوات تطالب بحماية الأطباء وأخرى تحرض على إضراب أو إهمال أو استقالات، وهى أصوات تتزامن مع حملات تحريض واضحة من منصات الخارج.
والأغلبية من الأطباء والتمريض يقومون بدورهم من دون مزايدة أو ادعاء، وتحريض تهديدات مبطنة بأن عدم الاستجابة للمطالب يدفع الأطباء والتمريض لهجر العمل، والواقع أن من يسافر أو يهاجر لا يمكن الرهان على مشاعره، ومن يفكر فى الهجرة لن يتوقف لأى سبب، وهناك أعداد كبيرة تركت البلد وسافروا للخارج سواء لأوروبا أو لدول عربية، نهائيا أو للعمل مقابل آلاف مستمرون. والواقع أن دعوات الإضراب أو الاستقالة لا تفيد قضية الأطباء أو الأطقم الطبية، لأنها تأتى فى وقت حرج يظهر الدعوات على أنها «تخلى» عن واجب تحتمه المهنة. وتبدو صدى صوت لحملات ممنهجة مستمرة منذ بداية الأزمة.
وهذه المشكلة ظهرت فى الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والدول الأوربية، وليست حكرا علينا، ومن يريد عليه مراجعة أعداد الأطقم الطبية الذين أصيبوا بالفيروس فى الدول المختلفة. لكن ظهرت أصوات لأطباء تحولت مطالبهم إلى مزايدة ومن ودعاء كأنهم وحدهم يملكون مفاتيح الطب والعلم. ورد عليهم الدكتور أحمد شرف استشارى الصحة العامة بقوله: «حصل نفس الكلام فى أمريكا الشهر الماضى انتشرت فيديوهات لأطباء وتمريض فى حالة هيستيرية يعلنون استقالاتهم لأن أمريكا لا توفر لهم كمامات ولا وسائل وقاية وتخلوا عن واجبهم عندما رأوا وفاة زملاء لهم..» ويقول شرف: «الحياة لم تتوقف، استمر باقى الأطباء والتمريض فى عملهم بشرف رغم موت 190 طبيبا تقريبا وانهيار المنظومة الصحية كلها فى أعظم دولة فى العالم».
ويضيف د. شرف فى شهادته على صفحة فيس بوك: إحنا توفى عندنا 15 طبيب أنا أعرف 3 منهم من كبار الأساتذة الاستشاريين الله يرحمهم ماتوا بشرف، ماتوا واقفين، لم يتاجر أى منهم بإصابته ولم يمن بها على الناس، لأن ده واجبهم وواجبنا كلنا..» ويختم كلامه: «الخائف المنهار يقعد فى البيت هو حر، وبلاش نمن على الناس بمجهودنا وتضحياتنا، ولو شايفين تقصير فى أدوات وقاية نطلبها، تقصير فى حاجة نتكلم ونصلحها، إنما نعمل فتنة دى لا شهامة ولا احترام لواجب وطنى أو مهنى واجب إنسانى».
نقابة الأطباء أرسلت بمطالب مهمة إلى رئاسة الوزراء، كان خطابا مهنيا يتضمن مطالب واقتراحات، وسبق واستجابت الحكومة للنقابة فى قرار الحظر بالعيد، وفى نفس الوقت صدر بيان يختلف عن فحوى الخطاب وفيه لغة سياسية وتحريضية، لا تتناسب مع مكانة النقابة وشكل الأزمة، خاصة وقد تزامنت مع حملة ممنهجة تستهدف نفسيات الطواقم الطبية من بداية الأزمة. ولا علاقة لها بمصالح ومطالب الأطباء.
وربما يكون على الحكومة والبرلمان أن يلعبوا دورا فى إغلاق الهوة بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة، لإغلاق ثغرات ينفذ منها المزايدون والمدعون، حماية الأطقم الطبية أولوية، وتخصيص مستشفى لعزل وعلاج الأطباء والطواقم الطبية خطوة جيدة وإن تأخرت لكنها مهمة. ولا يفترض أن يكون هناك انقطاع بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة وأجهزة الدولة.
سوف تنتهى الأزمة عاجلا او آجلا، وعلينا استيعاب دروسها وتجاربها، للحاضر والمستقبل.