ذات يوم سنخرج من هذا الوباء، وسننظر خلفنا ونتذكر هذه الأيام بكل ما فيها من أحزان وأفراح، وسنعترف بأن الأفراح كانت قليلة وأن الغلبة كانت للأحزان، وأن الجميع عانى من فيروس كورونا اللعين، الأحياء والموتى عانوا فلم يسلم أحد من تأثير انتشار الوباء.
واليوم سوف نتحدث عن الموتى وما عانوه، فالمعروف فى الصعيد والأرياف أن زيارة الموتى فى أيام العيد جزء أساسى من العيد، بل هى ما يبدأ العيد به، يريد الأحياء أن يبدأوا يومهم بشيئين، الأول، العظة التى يحصلون عليها من زيارة القبور، عندما يقف الإنسان بين كل هذه القبور ثم يقول ما قاله الشاعر العربى الكبير أبو العلاء المعرى "هذى قبورنا تملأ الأرض/ فأين القبور من عهد عاد/ خفف الوطء ما أرى/ أديم الأرض إلا من هذه الأجساد".
أما الشىء الثانى الذى نسعى إليه من زيارة القبور، هو صلة الرحم، وأهالينا الموتى هم صلة أرحامنا، نريد أن نقول لهم إننا لا ننساكم أبدا، حتى فى يوم عيدنا، نحن موجودون بجواركم أيضا، خاصة أن الصعيد، نظرا لتداخل الثقافات الفرعونية والمسيحية والإسلامية، يؤمنون بأن "الموتى أحياء" وأنهم يحزنون ويفرحون، لذا كنا ونحن صغار نزور المقابر التى لم يزرها أحد ونعتذر للموتى الراقدين تحت الثرى لأن أهاليهم لم يأتوا لزيارتهم.
أقول ذلك، لأن الموتى هذا العيد لم يزرهم أحد، قضوا ذلك اليوم "وحيدين" تماما، ويروق لى أن أتخيل ما أصابهم من حزن، عندما بدأ اليوم وأذن الفجر ولم يأت أحد، وأشرقت الشمس ولم يأت أحد، وانتصف النهار ولم يأت أحد، وعندما أذن العصر تأكد الموتى أن لا أحد سيأتى، حينها ربما سمعوا أناس يمرون فى الشارع البعيد، يؤكدون "أن فيروس كورونا، قد تسبب منع الناس من زيارة أحبابهم الموتى".
يجعلنى ذلك أكره فيروس كورونا أكثر وأتمنى أن يذهب من غير رجعة وأن تعود الحياة إلى سابق عهدها البسيط، نقضى أيامنا كما كنا نقضيها قديما نذهب لزيارة الراحلين ونحن نحمل أطفالنا على أكتافنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة