أكرم القصاص - علا الشافعي

الناقد الأدبى أحمد بلبولة يكتب: "البرنس" لـ محمد سامى

الثلاثاء، 26 مايو 2020 04:49 م
الناقد الأدبى أحمد بلبولة يكتب: "البرنس" لـ محمد سامى الناقد والشاعر الدكتور أحمد بلبولة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمسك محمد سامي في مسلسل البرنس بخيط درامي مركزي من البداية إلى النهاية هو الخلاف على الميراث؛ ليفجر من حوله قوى الخير والشر التي تتقاطع دوائرها دون أن تشذ عن هذا المركز أو تتوه في تفاصيل بعيدة ومملة كما يحدث في المسلسلات الأخرى.
 
ولذلك فإن بنية المسلسل شديدة التركيز، شديدة الاقتصاد، شديدة الاختزال، تلجأ برهافة جراح تجميل لقيمتي الحذف والإضافة: الحذف الضروري في البداية بموت الأب (عبد العزيز مخيون)، ثم بالحذف الاختياري بقتل الزوجة والابن في حادث السيارة المدبر، ثم بحذف ثالث استثمره المخرج الكاتب ليؤكد فكرة مرور الزمن، المدة التي قضاها البطل (محمد رمضان) في السجن، وهو موت الأسطى جلال(علاء زينهم) حين تعلق صورته في لقطة عابرة لا تكاد تظهر أثناء عرض صامت لأحداث السنوات الخمس التي مرت، ثم يأتي حذف أخير متأخرا لحبية عادل (الأخ الأصغر) التي تموت متأثرة بتعاطي الهيروين، وهو حذف تشكل حالته إحدى الرسائل الفرعية للمسلسل؛ من حيث إن المخدرات هي نشاط الإخوة العَلَّات(غير الأشقاء) أو مربع الشر هم وأزواجهم (فتحي وياسر ورأفت وفدوى وعبير)، الموت الذي يأتي بمثابة الهمسة في أذن الجمهور لا تأخذ الشكل الوعظي الزاعق، ولا يريد لها محمد سامي أن تتعمق وتطغي على الحدث الأصلي مستخدما فيها ميزانا حساسا جعل من الجيتار صوتا للخواء حين يدخل عادل بعد تعافيه الشقة (العش) ويحتضن حذاء حبيبته الغائبة.
 
أما عن الإضافة فقد بدت أولا في رفيقات علا (نور) في الفندق بعد توسط رضوان لها في العمل هناك؛ ليأتي العوض لشيماء (طليقة فتحي) بأن تتزوج رجل الأعمال كمال، وهي صدفة مقبولة، وإن كانت تفتقر للمنطق حد الإغراء بالسؤال: ما الذي يدفع رجلا بهذا الثراء ليتزوج شيماء؟! خاصة وأنه قد انجذب لعلا في البداية، وبدت مسألة الحب غير فارقة في اختياره، لكن ربما أراد محمد سامي أن يؤكد على فكرة النصيب، من باب تقفيل الملفات الدرامية، فملف شيماء أغلق وإن ظل مواربا، وكان من المتوقع أن يلعب كمال دورا في مساعدة رضوان بنفوذه لكن سامي اكتفى بأن يقدمه في دور رجل الأعمال الذي يأخذ ما يريد فقط ولا يقدم شيئا.
 
يعقب ذلك إضافات ثلاث أخرى: الأسطى إبراهيم الذي يعمل معه رضوان بعد خروجه من السجن، وبليلة رفيقه في السجن، والأسطى محمود الذي يأخذ الابنة مريم ليربيها بعد أن تركها عمها فتحي في الشارع، وبالتبعية تستدعي كل شخصية من هذه الشخصيات حولها شخصيات أخرى أبرزها كيلاني تباع الأسطى محمود، وزوجة الأسطى محمود وابناه منها، وكذلك عصبة بليلة بالسجن.
 
وفق هذين المبدأين: الحذف والإضافة اللذين استخدمهما محمد سامي باقتصاد شديد كأنما يزن شخصياته بالجرام، يحتفظ لمسلسله بإيقاع مميز ساعد جدا في انجذاب الجمهور وتعلقه بالمتابعة، الإيقاع الذي يقترب من الإيقاع الفيلمي أكثر من كونه إيقاع مسلسل.
 
لقد نجح محمد سامي في أن يجعل مشاهِدَه مشدودة طوال الوقت مستثمرا كل القيم الفنية المتاحة: من موسيقى تصويرية، وتقطيع المشهد الواحد، والحرص على إبراز التفاصيل، حتى إنه ليركز بالكاميرا على آذان الأبطال الإخوة الأشرار لحظة اجتماعهم في بيت فدوى وهي توعِزُ إليهم بمخططها للتخلص من رضوان وأسرته ليمرر للجمهور بوعي أو بلاوعي أثر الوسوسة الشيطانية في الإنسان، ومن هذه التفاصيل أيضا صورة فتحي التي يراها رضوان بالصدفة وفدوى تعلقها أسفل صورة صاحب الفضل ليعرف أن أخاه فتحي متزوج من أخرى، وإذ تأخذ صورة فتحي حظها عاجلا من التوظيف الدرامي يأتي حظ صورة صاحب الفضل آجلا في نهاية المسلسل حين يجدها فتحي أثناء صعوده على السلم فينزعها ويحطمها تحطيما بعد عودته إلى البيت وقد تخلص من جثتي أخيه وزوجته، ولا شك أن هذه المشاهد وغيرها يطل بها وجه محمد سامي المشاكس الذي لا ينسى اللعب في حومة المأساة واحتدام اللحظة.
 
هذا وقد لعب الموبيل أدوارا متعددة، من ذلك أن تتركه نورا (ريم سامي) جاسوسا في شاحنه ليسجل ما دار بين الإخوة بعد أن تخلصوا من زوجة أخيهم، أو أن يتركه رضوان على الأنتريه لزوجتي أبيه اللتين تأخذانه وتحرقانه على البوتاجاز محوا لدليل إدانة أبنائهما، أو حين يقدم محمد سامي من رناته المتعاقبة بين أيدي الإخوة المجتمعين تجسيدا لحالة التوتر والقلق والخوف وقد علموا أن رضوان قد علم بأنهم القتلة، مشهد يمثل ذروة الصنعة الفنية في المسلسل. هذا ولا ينسى محمد سامي أن يجعل رضوان يترك المسدس على الشوفونيرة في بيت فدوى دون أن يمحو آثار بصماته عليه ليكون المسدس هو القائد إلى السجن ودليل الإدانة، وفي الفن تتعانق الكلمات والأشياء.
 
إن ثنائية الخير والشر، والثنائيات عموما التي أسس عليها محمد سامي مسلسله أحكمت بناء الحدث وقدمت الصراع في شكل مقنع (رضوان/ فتحي، فدوى/ شيماء، نورا/ عبير، نظيمة/ لوزة، رأفت/ حمادة، عبد المحسن وعادل/ فتحي وياسر) وهكذا، وقد اتسعت هذه الثنائيات لأن يبذر محمد سامي بينها فكرة الحب بين رضوان وعلا، وفكرة المقاول الانتهازي، والجواهرجي فاقد المروءة، وغيرها كان مقبولا لو أراد محمد سامي لكنه مخرج وكاتب لا يحب الثرثرة، واع لفنه، حذر أشد الحذر من أن تغريه مغريات الفن وتفجراته.
 
قدم محمد سامي الصراع بين الخير والشر مستثمرا نجوم عمله الذين بدوا وهم يمثلون في مبارزة فنية حقيقية استنفرت طاقاتهم حتى تعامل الجمهور معهم على أنهم شخصيات حقيقية وليست "كركترات"، شخصيات من لحم ودم، بلغت درجة الإقناع فيها أن الجمهور كان يدعو عليها في رمضان، وعلى حين أخذ الشر الطبيعة التجسيدية في الأشخاص، بمعنى أننا في المسلسل لسنا أمام شر مجرد ولكن أمام أشرار يجسدون الشر، فقد أخذ الحق قيمته المجردة حتى إن البطل محمد رمضان بدا شاحبا غائبا في كثير من الحلقات، غاب شخصه لكن حضرت قيمته، ولا أدري لمن أنسب هذا للمخرج محمد سامي أم للنجم محمد رمضان.
 
عناصر عديدة ساهمت في نجاح هذا المسلسل رغم اقتصاد المخرج محمد سامي الشديد في الديكور، ولا أظن أنه عمل مكلف من هذه الناحية إذا ما قورن بغيره من المسلسلات التي عرضت في رمضان، وتبقى بعد ذلك القفزات المنطقية التي شهدها المسلسل فجوات للتساؤل والأخذ والرد، تضاف إلى رصيد المسلسل ولا تخصم منه، وإن جاءت الرسالة، رسالة المسلسل في مجملها جارحة للجمهور بعض الشيء، حين كان أمامها خياران فلم تختر العفو واختارت الانتقام، ولا يشفع لذلك أنها حلول درامية متعددة نختار فيما بينها، فالاختيار مسئولية.
 
د. أحمد بلبولة شاعر وأكاديمى أستاذ ورئيس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة