أكرم القصاص - علا الشافعي

د. إبراهيم نجم

شهر صناعة الإنسان

الأحد، 03 مايو 2020 07:21 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يختلف الإنسان عن سائر مملكة الحيوان اختلافًا ظاهريًّا فى الدرجة فقط، على طريقة التطوريين، وإنما جوهر الخلاف بين الإنسان والحيوان هو اختلافهما فى النوع كذلك، حيث يتمتع الإنسان بملكة تجعله يفارق سائر الحيوانات المتوحشة، هى ملكة العقل.. تلك الأمانة التى عرضها الله سبحانه وتعالى على السموات والأرض والجبال فأشفقن منها وحملها الإنسان، والتى هى مناط التكليف والتشريف. وأصل العقل أنه يعقل -أى يحبس ويقيد- الإنسان عن الانسياق خلف
 
شهواته، شهوات الجسم والنفس، فأما شهوة الجسم فتتمثل فى التناول المسرف لشهوتى البطن والفرج بغير ترشيد أو تقييد، وليس ذلك سمت المؤمنين، قال تعالى:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} [محمد: 12]، وأما شهوة النفس فتتمثل فى التسليم للغضب حتى يخرج بالإنسان عن حدود الإنسانية ويتجاوز الفطرة التى فطره الله عليها. ولكن المأساة أن انتكاس الفطرة لا يعود بالإنسان إلى مرتبة الحيوان، بل يغدو مسخًا مشوهًا، لا هو بلغ مرتبة الإنسانية ولا استقر على رتبة الحيوانية، فإن الحيوانات تأكل ولا تسرف بل تحفظها غريزتها من الوقوع فى التهلكة، كما روى عن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم ما أنبتت الأرض أو زهرة الدنيا» فقال رجل: يا رسول الله، يأتى الخير بالشر، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه ينزل عليه، فأخذه عرق أو بهر، ثم أفاق، فقال: «أين السائل؟»، فقال: ها أنا ذا ولم أرد إلا خيرًا، فقال: «إن الخير لا يأتى إلا بالخير، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطًا أو يلم إلا آكلة الخضر، فإنها أكلت، فلما اشتدت خاصرتاها استقبلت الشمس، فثلطت، ثم بالت، ثم عادت فأكلت، ثم أفاضت فاجترت، وإن هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه بحقه بورك له فيه، ومن أخذه بغير حقه لم يبارك له فيه، وكان كالذى يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى». ولو لم يكن للصيام من أثر إلا تهذيب نفس الإنسان وترويض الوحش الكامن فيه لكان حسبه ذلك من فضل، إن المسلم يتدرب طوال شهر رمضان على ترشيد شهواته وتوجيه طاقته، فلا يأكل فى نهار رمضان ولو جاع، ومن هنا يتعلم أنه فى سائر العام لا يأكل إلا إذا جاع، وإذا أكل لا يشبع حتى لا يقعد به الشبع عن أداء الواجبات والقيام بالتكاليف. كما أن الصوم قيد يقيد طاقة الغضب إذا ثارت وتفجرت فى نفس صاحبها فعن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا أصبح أحدُكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهلْ، فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إنى صائم». وتقييد الغضب وقاية للإنسان من سخط الله، كما روى عن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ماذا يباعدنى من غضب الله عز وجل؟ قال: «لا تغْضَب». هذه الكلمة الموجزة يعقلها العاقل فتعقله، إنها كلمة يسيرة على الحفظ ولكنها على وجازتها تحفظ من حفظها، فيا لها من موعظة!
 
من هنا يتبدى فضل الصيام وأهميته كونه يؤكد على البعد الإنسانى لهذا الكائن الذى استخلفه الله فى الأرض وحمله أمانة العقل ليقيد شهوته ويعقل غضبه فلا يفسد فى الأرض ويسفك الدماء، بل يعمل على وفق مراد الله من إعمارها. الصوم فى الدنيا حاجز للمسلم يمنعه من التردى الأخلاقى، كما أنه جُنة وسِتر دون شهوات النفس المؤدية إلى النار فى الآخرة، وتلك غاية الصيام كما قال تعالى: «لعلكم تتقون».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة