لا تهتم الكتب التراثية بالحديث عن الأنبياء والصالحين وأعداءهم فقط، بل إن أسرهم بما فيها من أبناء وزوجات كانوا جزءا من السرد فى معظم الأحيان، ومن ذلك نجد الكثير من الكلام عن زوجتى سيدنا إبراهيم عليهم السلام، السيدة سارة والسيدة هاجر.. فما الذى يقوله التراث الإسلامى فى هذا الأمر؟
يقول كتاب البداية والنهاية فى "ذكر مولد إسماعيل عليه السلام من هاجر":
قال أهل الكتاب: إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة، وأن الله بشره بذلك، وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد بيت المقدس عشرون سنة، قالت سارة لإبراهيم عليه السلام: إن الرب قد أحرمنى الولد، فادخل على أمتى هذه، لعل الله يرزقنى منها ولدًا، فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام، فحين دخل بها حملت منه.
قالوا: فلما حملت ارتفعت نفسها، وتعاظمت على سيدتها، فغارت منها سارة، فشكت ذلك إلى إبراهيم فقال لها: افعلى بها ما شئت، فخافت هاجر فهربت، فنزلت عند عين هناك، فقال لها ملك من الملائكة: لا تخافى فإن الله جاعل من هذا الغلام الذى حملت خيرًا.
وأمرها بالرجوع، وبشَّرها أنها ستلد ابنًا وتسميه إسماعيل، ويكون وحش الناس يده على الكل، ويد الكل به، ويملك جميع بلاد إخوته، فشكرت الله عز وجل على ذلك.
وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه الذى سادت به العرب، وملكت جميع البلاد غربًا وشرقًا، وأتاها الله من العلم النافع، والعمل الصالح، ما لم تؤتَ أمة من الأمم قبلهم، وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل، وبركة رسالته، ويمن بشارته، وكماله فيما جاء به، وعموم بعثته لجميع أهل الأرض.
ولما رجعت هاجر وضعت إسماعيل عليه السلام، قالوا: وولدته ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة، قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة.
ولما ولد إسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة، فخر لله ساجدًا، وقال له: قد استجبت لك فى إسماعيل، وباركت عليه، وكثَّرته، ونميته جدًا كثيرًا، ويولد له اثنا عشر عظيمًا، وأجعله رئيسًا لشعب عظيم.
وهذه أيضًا بشارة بهذه الأمة العظيمة، وهؤلاء الاثنا عشر عظيمًا، هم الخلفاء الراشدون الاثنا عشر المبشر بهم فى حديث عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، عن النبى ﷺ قال:
"يكون اثنا عشر أميرًا"، ثم قال كلمة لم أفهمها، فسألت أبى ما قال، قال: كلهم من قريش. أخرجاه فى (الصحيحين).
وفى رواية: لا يزال هذا الأمر قائمًا. وفى رواية: عزيزًا حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. فهؤلاء:منهم: الأئمة الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، ومنهم: عمر بن عبد العزيز أيضًا، ومنهم: بعض بنى العباس.
وليس المراد أنهم يكونوا اثنى عشر نسقًا، بل لا بد من وجودهم، وليس المراد الأئمة الاثنى عشر الذى يعتقد فيهم الرافضة، الذين أولهم على بن أبى طالب، وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا وهو محمد بن الحسن العسكرى فيما يزعمون، فإن أولئك لم يكن فيهم أنفع من على وابنه الحسن بن على، حين ترك القتال وسلَّم الأمر لمعاوية، وأخمد نار الفتنة، وسكَّن رحى الحروب بين المسلمين.
والباقون من جملة الرعايا، لم يكن لهم حكم على الأمة فى أمر من الأمور، وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس فى الرؤوس، وهذيان فى النفوس، لا حقيقة له، ولا عين، ولا أثر.
والمقصود أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل، اشتدت غيرة سارة منها، وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها، فذهب بها وبولدها، فسار بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم.
ويقال إن ولدها كان إذ ذاك رضيعًا، فلما تركهما هناك، وولى ظهره عنهما، قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه، وقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا، وليس معنا ما يكفينا، فلم يجبها، فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها قالت له: الله أمرك بهذا؟، قال: نعم، قالت: فإذًا لا يضيعنا.
وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبى زيد رحمه الله فى كتاب (النوادر) أن سارة تغضبت على هاجر، فحلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها، فأمرها الخليل أن تثقب أذنيها، وأن تخفضها، فتبر قسمها، قال السهيلى: فكانت أول من اختتن من النساء، وأول من ثقبت أذنها منهن، وأول من طولت ذيلها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة