اقرأ مع جواد على.. "المفصل فى تاريخ العرب" قريش قبل الإسلام

الأربعاء، 06 مايو 2020 12:00 ص
اقرأ مع جواد على.. "المفصل فى تاريخ العرب" قريش قبل الإسلام المفصل فى تاريخ العرب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نواصل مع المفكر العربى الكبير "جواد على" قراءة تاريخ العرب من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" ونتوقف اليوم مع قبيلة قريش.

يقول جواد على:

"قصى" من "قريش" و"قريش" كلها من نسل رجل اسمه "فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان" فهى من القبائل العدنانية، أى: من مجموعة العرب المستعربة فى اصطلاح علماء النسب. ومن "فهر" فما بعده عرف اسم "قريش" فى رأى أهل الأخبار، أما ما قبل "فهر" من آباء فلم يعرفوا بقريش. فقريش إذن هم "فهر" وأبناؤه، من سكان مكة أو من سكان ظواهرها، أي: كل من انحدر من صلبه من أبناء، وما كان فوق "فهر" فليس يقال له "قرشى"، وإنما يقال له كنانى.

ومعارفنا عن "قريش" لا بأس بها بالنسبة إلى معارفنا عن خزاعة وعمَّن تقدم عليها من قبائل ذكر أهل الأخبار أنها سكنت هذه المدينة، وتبدأ هذه المعرفة بها، ابتداء من "قصى" زعيم قريش ومجمعها، والذى أخذ أمر مكة فوضعه فى يديه، ثم فى أيدى أولاده من بعده، فصارت "قريش" بذلك صاحبة مكة.

وقد اشتهرت قريش بالتجارة، وبها عرفت وذاع صيتها بين القبائل وتمكن رجالها بفضل ذكائهم وحذقهم بأسلوب التعامل من الاتصال بالدول الكبرى فى ذلك العهد: الفرس والروم والحبشة، وبحكومة الحيرة والغساسنة، وبسادات القبائل، ومن تكوين علاقات طيبة معها، مع تنافر هذه الدول وتباغضها، كما تمكنوا من عقد أحلاف مع سادات القبائل، ضمنت لهم السير طوال أيام السنة بهدوء وطمأنينة فى كل أنحاء جزيرة العرب، والطمأنينة أهم أمنية من أمانى التاجر، وبذلك أمنوا على تجارتهم، ونشروا تجارتهم فى كل أنحاء جزيرة العرب، حتى عرفوا بـ"قريش التجار"، جاء على لسان كاهنة من كهان اليمن قولها: "لله در الديار، لقريش التجار".

وليس لنا علم بتأريخ بدء اشتغال قريش بالتجارة واشتهارها بها، وروايات أهل الأخبار، متضاربة فى ذلك، فبينما هى ترجع ظهور "قريش" بمكة إلى أيام قصي، ومعنى ذلك أن تجارة قريش إنما بدأت منذ ذلك الحين، نراها ترجع تجارتها إلى أيام النبى "هود" وتزعم أنه لما كان زمن "عمرو ذى الأذعار الحميرى"، كشفت الريح عن قبر هذا النبى، فوجدوا صخرة على قبره كتب عليها بالمسند: "لمن ملك زمار؟ لحمير الأخيار. لمن ملك ذمار؟ للحبشة الأشرار. لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار. لمن ملك ذمار؟ لقريش التجار".

والرواية أسطورة موضوعة، ولكنها تشير إلى أن اشتغال قريش بالتجارة يرجع

إلى عهد قديم، عجز أصحاب هذه الرواية عن إدراك وقته، فوضعوه فى أيام هود.

ثم نرى روايات أخرى ترجع بدء اشتهار قريش بالتجارة إلى أيام "هاشم"، وهى تزعم أن تجارة قريش كانت منحصرة فى مكة، يتاجر أهلها بعضهم مع بعض، فتقدم العجم عليهم بالسلع، فيشترونها منهم ثم يتبايعونها بينهم، ويبيعونها لمن حولهم من العرب، فكانوا كذلك حتى ركب "هاشم بن عبد مناف" فنزل بقيصر، وتعاقد معه على أن يسمح له ولتجار قريش بالاتجار مع بلاد الشام، فوافق على ذلك وأعطاه كتابا بذلك، فلما عاد جعل كلما مر بحى من العرب بطريق الشام، أخذ من أشرافهم إيلافًا، أى: عقد أمان، فضمن بذلك لقومه حرية الاتجار بأمن وسلام، واشتهرت قريش بالتجارة منذ ذلك العهد.

وقد علمت الأسفار سادة قريش أمورًا كثيرة من أمور الحضارة والثقافة، فقد أرتهم بلادًا غريبة ذات تقدم وحضارة، وجعلتهم يحتكون بعرب العراق وبعرب بلاد الشام، فتعلموا من "الحيرة" أصول كتابتهم، وهذَّبوا لسانهم، ودونوا به أمورهم، وذكر أنهم كانوا من أفصح العرب لسانًا، وقد شهد العرب لهم بفصاحة اللسان، حتى إن الشعراء كانوا يعرضون عليهم شعرهم، وذكر أن الشاعر "علقمة الفحل" عرض عليهم شعره، فوصفوه بـ"سمط الدهر".

وقد علمت الطبيعة أهل مكة أنهم لا يتمكنون من كسب المال ومن تأمين رزقهم فى هذا الوادى الجاف، إلا إذا عاشوا هادئين مسالمين، يدفعون الإساءة بالحسنة، والشر بالصبر والحلم، والكلام السيئ البذىء بالكلام الحسن المقنع المخجل.

 فتغلب حلمهم على جهل الجاهلية، وجاءت نجدتهم فى نصرة الغريب والذب عن المظلوم والدفاع عن حق المستجير بهم، بأحسن النتائج لهم، فصار التاجر والبائع والمشترى يفد على سوق مكة، يبيع ويشترى بكل حرية؛ لأنه فى بلد آمن، أخذ سادته على أنفسهم عهدًا بألا يتعدى أحد منهم على غريب؛ لأن الإضرار به يبعد الغرباء عنهم، وإذا ابتعد الغرباء عن مكة، خسروا جميعًا موردًا من موارد رزقهم، يعيش عليه كل واحد منهم بلا استثناء، لذلك

كان الغريب إذا ظُلِمَ، نادى: يا آل قريش، أو يا آل مكة، أو يا آل فلان، ثم يذكر ظلامته، فيقوم سادة مكة أو من نُودى باسمه بأخذ حقه من الظالم له.

وقد اصطلحت قريش على أن تأخذ ممن ينزل عليها فى الجاهلية حقًّا، دعته: "حق قريش"، وفى جملة ما كانوا يأخذونه من الغريب القادم إليهم عن هذا الحق بعض ثيابه أو بعض بدنته التى ينحر.

ويأتى أهل الأخبار بمثل على ذلك هو مثل: "ظويلم ويلقب مانع الحريم، وإنما سمى بذلك؛ لأنه خرج فى الجاهلية يريد الحج، فنزل على المغيرة بن عبد الله المخزومي، فأراد المغيرة أن يأخذ منه ما كانت قريش تأخذ ممن نزل عليها فى الجاهلية، وذلك سمي: الحريم وكانوا يأخذون بعض ثيابه أو بعض بدنته التى ينحر، فامتنع عليه ظويلم"، وظويلم منع عمرو بن صرمة الإتاوة التى كان يأخذها من غطفان.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة