الواقع يؤكد أن مصلحة الطب الشرعي نبذل جهود مضنية أثناء تعاملها مع قرارات النيابة العامة بتشريح جثث المجني عليهم خلال حوادث الحريق الجنائي، وتحديداَ تلك التي يقدم فيها الجناة على إشعال النيران في ضحاياهم عقب التخلص منهم خشية انكشاف أمرهم، وطمس معالم جريمتهم لإبعاد الشبهات عنهم، فتصدر النيابة العامة قرارا بتشريح الجثث التي يعثر عليها في مسرح الجريمة، للوقوف على أسباب الوفاة، الوصول إلى هوية الجناة.
ويتخذ خبراء الطب الشرعي عند هذه الوقائع إجراءات سريعة وفورية للتعامل مع تلك البلاغات من خلال فحص الجثث المحروقة وتحديد هويتها، والوصول إلى نوعية الحروق والتعامل معها بشكل علمي دقيق للوصول إلى فك لغز القضية، حيث يطلق على الطب الشرعى مسمى "مفتاح القضايا" الذى يأتي دورها الحيوي والمهم في توجيه رجال القانون سواء كانوا شرطة أو مباحث أو قضاء في متابعة القضايا، وخاصة فيما يعرف بـ"معاينة الجثث المحترقة".
كيفية فك الطب الشرعي طلاسم الجثث المحروقة
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على كيفية فك الطب الشرعي طلاسم الجثث المحروقة، والحقائق النظرية والعملية للوصول إلى هوية الجثث المحروقة وهوية الجناة الأصليين والنقاط الواجب إبرازها في حوادث احتراق الجثث، باعتبار أن حوادث الحرائق والغرق، من أصعب القضايا التي يتعامل معها الطبيب الشرعي، لأنه من غير المسموح لأحد لمس الجثة إلا بعد قرار النيابة العامة بالتشريح، حيث يقرر الطبيب الشرعي أولا نوعية الحرق في الجثة، هل حيوية أم غير حيوية؟ - الدكتور برهامي عزمي، عضو الجمعية المصرية لعلوم الأدلة الجنائية .
نوع الحريق وآثار الدخان
الحروق الحيوية هي التي تحدث قبل الوفاة وتنقسم إلى 3 درجات، الأولى: لونها أحمر، والثانية يتكون فيها سائل مصلي موجود داخل فقاعة، أما الدرجة الثالثة فيصل فيها الحريق إلى العضلات والأجزاء العميقة من الجسد، كما أن الطبيب الشرعي يبدأ بفحص مدى وصول الدخان إلى القصبة الهوائية في الغشاء المخاطي المبطن ببعض الخلايا، إذ بإمكانه تحديد مدى وجود آثار لتراكم الدخان في تلك المنطقة من عدمه، أما الحروق غير الحيوية تكون الإصابات في أماكن الحروق بجانب وجود كسر في الفخذ مثلا أو نزيف داخل البطن وآثار لحريق واضح، أو آثار لطعنات، وجميع تلك الحالات تحدث بعد الوفاة بالخنق مثلا – وفقا لـ"عزمى".
قياس طول الجثة
الطبيب الشرعي فى حقيقة الأمر يقيس طول الجثة، حيث أن ذلك الإجراء لتحديد نوع الجثة لذكر أم أنثى، ويبحث خلالها عن علامات مميزة فيها مثل وشم أو آثار لتدخل جراحي، بعدها يبحث الطبيب الشرعي عن الأجزاء التي لم تحرق، ويجري تحليل الـDNA، ومن خلال الحامض النووي يمكنه تحديد هويته بعد مطابقتها بالبصمة الوراثية، لتحديد هوية الشخص المعثور على جثته، ومن ثم مراجعة بلاغات التغيب، كما أن نتائج التحاليل والعينات تظهر خلال مدة تترواح ما بين 6 – 48 ساعة، بعدها تكون تفاصيل الجثة وجميع المعلومات عنها على مكتب وكيل النائب العام داخل مظروف سري، وبعدها تصدر النيابة قرارها في القضية، بعد التوصل لهوية الجثة، وهو الجزء الأصعب في طور التحقيق الأولي، لحل اللغز الكلام لـ"عزمى".
وعن إمكانية تفسير الملاحظات التى تشاهد بالجثث فى الحرائق، فهناك عدة دلالات كالتالي:
أولاً: إذا وجدت الأجزاء السفلية من الجثة والملابس سليمة من الحريق، فهذا يعنى أن المتوفى لم يتحرك منذ بداية الحريق لوفاته أو لفقده الوعى.
ثانياً: إذا كانت الحروق حيوية فهذا يعنى أن المتوفى كان لا يزال حياً عندما أمسكت به النيران، أما إذا كان قد فارق الحياة فتكون الحروق غير حيوية.
ثالثاً: وجود ترسبات كربونية داخل المسالك الهوائية مع تحول الدم إلى اللون الوردى الفاتح - خاصة مناطق الرأس والرقبة - فهذا يعنى أن المتوفى كان لا يزال حى يستنشق الغازات الخانقة والسامة المنطلقة من الحريق ومنها غاز أول أكسيد الكربون.
رابعاً: قد لا تصل النيران إلى المتوفى فيكون جسمه خالياً من الحروق، ولكن الوفاة قد تحدث نتيجة استنشاق الغازات الخانقة والسامة المنطلقة من الحريق.
خامساً: إصابة المجنى عليه قبل الحريق قد تكون فى مقتل فيتوقف التنفس والنبض فى الحال فتكون المسالك الهوائية خالية من الاسوداد الكربونى، وقد تكون غير قاتلة فى الحال فيستمر التنفس والنبض لبعض الوقت، ويلاحظ فى هذه الحالة وجود الاسوداد الكربونى بالمسالك الهوائية مع تحول الدم إلى اللون الوردى "نتيجة اتحاد أول أكسيد الكربون مع هيموجلوبين الدم مكوناً كربوكسى هيموجلوبين"، والنقاط الواجب إبرازها في حوادث احتراق الجثث:
1-تحديد مكان العثور على الجثة بالنسبة للمكان المعتاد تواجدها فيه عادة، فإذا كان آخر العهد بالمتوفى قبل وقوع الحادث هو فراشة، فيوضح ما إذا كان قد تم العثور على الجثة على هذا الفراش أو على الأرض أسفله أو خلف الباب فى اتجاه الخروج، فهذه الأوضاع تعطى دلالات عن محاولته التحرك والنجاة.
2-تحديد وضع الجثة وحالتها، وهل صاحبها على وضع الرقاد على ظهره أو منكفئاً على وجهه أو جالساً القرفصاء.
3-وصف ما قد يكون ظاهراً من الجروح بخلاف الحرقية كطعن سكين أو فتحة مقذوف نارى أو وجود بقايا حبل حول رقبته.
4-وصف ما على الجثة من ملابس داخلية وخارجية ودرجات ومواضع الاحتراق بها وما يكون بالجيوب من متعلقات وما يعثر بداخلها من مواد غريبة كحبوب مخدرة وغيرها.
5-إثبات حالة الملابس المتبقية أسفل الجثة والملاصقة للأرضية وهل هى سليمة من الحريق أم محترقة، ولذلك شأن فى التحقق من تحرك المتوفى عند إمساك النار به أو عدم تحركه نتيجة سبق وفاته أو قتله أو فقده الإحساس والشعور من مسكر أو مادة مخدرة، إذ لا يعقل بقاء شخص فى وعيه، ثابتاً فى مكانه دون حركة رغم إمساك النار به سواء أكان يقظاً أم نائماً نوماً طبيعياً.
6-البحث عن وجود أى مواد غريبة مساعدة على الاشتعال والتعرف عليها مبدئياً عن طريق تشمم رائحتها المميزة كالمواد البترولية وغيرها، وكذلك البحث عن القوارير أو الأوعية التى يمكن أن تستجلب بداخلها من الخارج كالجراكن ونحو ذلك.
7-إثبات وجود أى مواد غريبة أخرى بالمكان كالعثور على أوعية أو قوارير مواد مسكرة أو حبوب مخدرة أو منومة.
8-إثبات وجود المواقد وأجهزة التدفئة وبعدها عن جثة المتوفى أو فراشة وكذا أدوات تدخين الشيشة والسجائر ومباخر التطيب وأجهزة تشغيل أقراص المبيدات الحشرية "إيزالو".
9-إثبات حالة النوافذ والأبواب وما إذا كانت مغلقة بالمزاليج من الداخل من عدمه.
10-البحث عن أى خطابات تكون مكتوبة بخط يد المتوفى، فقد يترك رسالة تفيد عزمه على الانتحار وبذلك يبدد غموض الحادث بإقرار كتابى منه.
11-فى حال العثور على جثة محترقة بمناطق نائية أو أرض زراعية يراعى إثبات أقرب منزل إليها وحالة المنطقة المحيطة بها وإمكانية وصول المصادر الحرارية إلى مكان العثور على الجثة، وهل تم الحريق بذات المكان أم أن الجثة نقلت بعد حرقها.