قال الدكتور محمد العريان، الخبير الاقتصادى العالمى، إن العالم يمر بفترة من عدم اليقين على صعيد الاقتصاد بسبب انتشار وباء كورونا، معتبرا أن الوباء يدفعنا جميعا خارج منطقة الراحة.
محمد العريان
وقال العريان خلال المحاضرة إن إدارة الاقتصاد فى زمن كورونا تحتاج التفكير بشكل مختلف، فى ظل استمرار وباء كورونا لفترة من الزمن، موضحاً أن الفترة الحالية ستفرض بطبيعة الحال أن تبيع الدول النامية صادراتها بسعر أقل، كما ستستمر عائدات السياحة فى التراجع بخلاف تراجع تحويلات أبناء الدول النامية فى الخارج إلى دولهم الأصلية، مشيراً فى الوقت نفسه إلى أن الوضع فى أفريقيا ليس سيء للغاية.
وأضاف العريان خلال المحاضرة: تداعيات كورونا الاقتصادية خرجت عن السيطرة، ففى الولايات المتحدة هناك 33 مليون مواطن أمريكى خسروا وظائفهم فى 7 أسابيع أى 20% من العمالة، حيث ارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير وربما تصل إلى نسبة 25%.
وأضاف أنه يعيش فى كاليفورنيا وهى ولاية لديها مصادر دخل واسعة، إلا أنها تأثرت بشكل كبير لاسيما فيما يتعلق بالعنف المنزلى والتأثر النفسى.
أدار المحاضرة، الدكتور طارق خليل رئيس الجامعة، وشارك بها عدد من خبراء الاقتصاد والسياسيين من بينهم عمرو موسي الأمين العام الأسبق للجامعة العربية.
وأكد العريان فى كلمته أن الحكومات جميعها والبنوك المركزية فى حرب ضد الجوع والموت والتراجع الاقتصادى، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة دفعت 6 تريليون دولار حتى الآن لاحتواء الضرر، ولا يوجد هناك شك من ناحية أن الحكومة تفعل ما فى وسعها، هذا لم نراه من قبل.
وقال إن الاستجابة العالمية كانت محبطة، لأنه لم يكن هناك تعاون جماعى ولا يوجد لاعبين إقليميين، مؤكدا أن هذا الوباء يعد مرحلة حاسمة بالنسبة لجيله، لأنه ستحدد مسار الأجيال القادمة.
وأضاف أن التباعد الاجتماعى والجسدى هدفه كسب الوقت، حتى يتم التوصل إلى علاجات ولقاحات، لأننا فى حاجة إلى الوقت، وكيف تكسب الوقت، تكسبه بوقف العدوى عن طريق إجراءات التباعد.
وقال إنه بالنسبة لبعض الدول مثل زيمبابوى ونيجيريا المسألة مسألة إما تموت بكورونا، أو تموت بالجوع، فالأولى لديها جهازين تنفس فقط، كما هو الحال فى عدد من الدول الإفريقية.
قال الخبير الاقتصادى العالمى، محمد العريان إنه لا يمكن فرض الاستقرار على الاقتصاد العالمى فى ظل استمرار الخلافات بين أكبر اقتصادين فى العالم، وهما الولايات المتحدة والصين.
وأضاف فى محاضرة نظمتها جامعة النيل على برنامج "زووم" أن الخلاف الأخير بين البلدين حول نشأة الفيروس ومطالبة الصين بتقديم المزيد من المعلومات يزيد من الصعوبات الاقتصادية المضطربة بالأساس.
وأشار إلى أنه عند التعامل مع الأزمات يجب أن تتخذ القرارات بشكل سريع، سواء على مستوى الدول أو الشركات أو المنازل، مؤكدا أن الوضع للأسف لن يكون سهلا، مضيفا: يجب على الشخص أن يعمل على تغيير طريقة تفكيره.
وأضاف أن الجميع عليهم معرفة أننا يمكن أن نعيش مع الفيروس لفترة لاسيما مع عدم وجود لقاح قريبا، وسنتعلم كيفية العيش معه ولن تكون سهلا، أولا يجب العمل على تخفيض الضرر، وثانيا عليك الاستعداد لمواجهته بأسرة المستشفيات وأجهزة التنفس، ولكن يجب أيضا معرفة أن كل يوم نعيشه نكتسب شيئا إيجابيا حيث نعرف أكثر عنه.
وتابع الدكترو العريان: الاقتصاد العالمى عليه الاستثمار فى البنية التحتية والتعليم والصحة والمؤسسات المعنية، وإذا قمنا بذلك، فسيكون هناك أمل فى نهاية الطريق.
وقال الخبير الاقتصادى العالمى إن ما نقوم به اليوم، كان أشبه بالمستحيل ولكن أصبح الآن أشبه بالروتين مثل التعليم على الانترنت، وتقديم المعلومات والعمل على حل المشكلات.
وشرح كيف كانت تؤدى ابنته سامية -16 عاما- واجبها، على الآى باد وتتحدث مع صديقتها عبر فيس تايم، فسألها كيف تقوم بذلك، فقالت له: "انت عجوز"، مؤكدة استطاعتها القيام بأكثر من مهمة فى وقت واحد، وشدد العريان على ذلك قائلا إن هذا الجيل قادر على فعل أشياء لا يستطيعه جيله فعلها.
وشرح كيف يواجه الطلاب ضغط شديد ويجب مساعدتهم، مكررا أن الوقت الذى نعيشه يتسم بعدم اليقين والصعوبة، مشيرا إلى أننا خارج منطقة الآمان والراحة الخاصة بنا، فنحن محتجزين فى المنازل، ونجرب شئ لم نعهده من قبل، مما يخلق نوعا من التغير السلوكى.
وقال العريان إن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تشعر أنت أو الشركات بالعجز وعدم القدرة على التصرف، أما الشئ الثانى، فهو إدراكك أنك يجب أن تفعل شيئا ولكن ينتهى بك المطاف وأنت تفعل نفس الشئ، أما السيناريو الثالث، فأنت بحاجة إلى تغيير طريقة التفكير، فرغم أنه فى ظل الظروف الراهنة تزداد فرص ارتكاب الأخطاء، إلا أن هناك خطأ يمكن تحمل نفقته وخطأ لا يمكن تحمل نفقته، والوقت الآن يسمح بهذه الأخطاء.
وأكد أن مصر بشعبها وثقافتها وشبكة الأسر لديها، ستستطيع التغلب على هذا ما دامت تلتزم بالإجراءات، مضيفا أن ما يحدث الآن من ناحية الاقتصاد، لم نشهده من قبل ومختلف عن الكساد العالمى والأزمة المالية العالمية كما أنه مختلف فيما يتعلق بالحلول.
وأوضح فى محاضرة جامعة النيل عبر "زووم" أن العالم يواجه الآن كساد أكبر مما سبق، والجراحون الذين يمكن أن يعالجوا الموقف هم البنوك المركزية، والثقة هى العملة التى يمكن الاعتماد عليها.
وقال إنه حذر من العواقب الاقتصادية منذ نهاية يناير لأن الأزمة أصبحت محلية، فإصابة عضو فى الجسد تعنى إصابة باقى الجسم، مؤكدا أنه يجب مساعدة الناس اقتصاديا لأن ما يحدث ليس خطأهم.
وأكد أنه "مرعوب" مما قد يحدث فى دول أفريقيا جنوب الصحراء، نظرا لأن الوضع الاقتصادى والصحى ضعيف، ويحاول البنك الدولى المساعدة، مشيرا إلى أن هناك "حيرة" لعدم انتشار الفيروس بشكل كبير هناك، أن تعداد السكان فى إفريقيا ومصر معظمه من الشباب، وربما يساعد الحر فى إضعاف انتشار الفيروس.
وقال إن صندوق النقد الدولى يحاول المساعدة مع البنك الدولى والأمم المتحدة، حيث وضع تسهيلات داخلية لدفع خدمات الديون للدول المدينة، مشددا على أن هذه المؤسسات واعية لصعوبة الوضع.
واستطرد الدكتور محمد العريان: هناك نوعين من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أحدهما مدرك للوضع مثل "المقيم" والآخر لا يدرك الوضع مثل "السائح"، موضحا أن الفترة المقبلة ستشهد تراجع فى الوضع الأخير.
وأضاف فى محاضرة جامعة "النيل" أنه ينصح بعدم الاستسلام لذلك لأن الأوضاع تتغير. وقال إن مصر لديها فرص جيدة.
وبسؤاله عن الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، قال العريان إنه ليس لديه معلومات كافية عنه، ولكنه قال إنه قطاع معرض للخطر، وسيكون هناك عواقب كارثية إذا لم يتم مساعدته، ويجب أن يكون أولوية.
وقال ردا على سؤال آخر إن البنك المركزى المصرى حسب ما يعرفه، يقوم بعمل جيد حتى الآن، حيث وفر عامل الاستقرار ولم يفقد السيطرة، لافتا أن الأرجنتين واجهت مشكلة كانت بدايتها خطأ ارتكبه البنك المركزى.
وحول عودة السفر فى ظل الأوضاع الحالية، قال إنه لن يكون سهلا فى ظل انتشار الفيروس، وأن الجامعات حول العالم فى وضع إدارة الأزمة، لأن لديهم الكثير من الأسئلة بلا إجابات، فمثلا، متى يعود الطلاب وكيف يعود الطلاب وكيف يتم الدراسة للطلاب حال استمرار الوضع، وكيف يتم اختبارهم.
وأضاف أن الجامعات تدرك أننا فى وضع أزمة، ولكن هناك تغيير فى الاستراتيجية فى كيفية إدارة الأمور، مشيرا إلى أن النظام التعليمى سيخرج من هذه الأزمة فى وضع إيجابى، لأن هناك تغيير فى كيفية إدارة المحتوى.
ومن ناحية أخرى، قال عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، إن عصر ما بعد كورونا يلوح فى الأفق مشيرا إلى أن سياسيين ودبلوماسيين واقتصاديين يصرون على أن الفترة المقبلة ستشهد عالم مختلفا تماما عن ذلك الذى عرفناه ما قبل كورونا.
وأضاف خلال المحاضر عبر "زووم"، أنه يختلف معهم حول ذلك، قائلا إنه ربما يكون مختلفا لكنه سيستغرق وقتا موضحا أن النظام متعدد الأطراف حول العالم يحتاج إلى الكثير من إعادة النظر وتعديلات وتغييرات، وكذلك العولمة.
وتساءل هل العالم بصدد الدخول فى حرب باردة جديدة، موضحا أنها لن تكون مشابهة لتلك فى القرب العشرين، مجيبا أنه من وجهة نظره هناك حرب باردة بدأت تتشكل الآن، وستكون بين دولتين كبيرتين، ولن تكون عبارة عن سباق لبناء قواعد عسكرية والاستحواذ على الأراضى، وإنما ستكون سباقا حول الأسواق وستكون التجارة والتمويل والمشاريع عناصرها الأساسية.
وأضاف أنه فى ظل هذا التصور، يحتاج العالم إلى حركة عدم انحياز جديدة ومجموعة من الدول التى تفعل ما فى وسعها لمنع نشوب هذه الحرب الباردة التى تهدد السلام والأمن العالمى معتبرا أن هناك عالم جديد يتشكل الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة