أكرم القصاص - علا الشافعي

عباس شومان

حكم الصلاة خلف المذياع

السبت، 09 مايو 2020 12:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انشغل كثير من الناس بمسألة من المسائل التى ظهرت بعد تعليق الجمع والجماعات فى المساجد كإجراء احترازى اقتضته متطلبات الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، وهم ما بين مانع ومجيز، وهذا الخلاف فرعه هؤلاء على آراء لعلماء السلف فى الصلاة خلف الإمام إذا فصل بين الصفوف فاصل يمنع اتصال الصفوف كطريق أو حائط.
 
وحقيقة الأمر أن تحميل الفقه الموروث حكما لهذه المسألة جوازا أو منعا تكلف لا تحتمله قواعد النظر العلمى فى المسائل الفقهية، فبدهى أن الفقهاء لم يتحدثوا عن الصلاة خلف المذياع إذ لم يكن وقتهم مذياع أصلا، وإن غاية ما يُخرّج على أقوالهم هو الصلاة فى البيوت والمبانى التى تقع خلف المسجد، إذا تمكن من فيها من سماع قراءة الإمام، فى وقت يعلم المصلى أنه مستقبل للقبلة، وأنه موقعه خلف الإمام الذى يصلى، أما هذه المسألة فهى تختلف عن هذا الذى اختلف فيه الفقهاء قديما، ولا يمكن تخريجها على أقوالهم، ولذا فلن أتعرض لأقوال الفقهاء، وإنما سأبين بطلانها من خلال ما يترتب عليها من محاذير شرعية مكتفية لإبطالها ومنها:
 
أولا: من بدهيات صلاة الجماعة الاقتداء بالإمام ولذا سمى إماما، وأن موقف المؤتمين به يكون خلفه إن كانوا جماعة أو عن يمينه كما لو كان يأتم به واحد فقط أو كانت جماعة لم يجد بعضهم مكانا فى صفوفها، وهذه البدهيّة تُهدم بالإفتاء بجواز الصلاة خلف المذياع، حيث لا يخفى أن المذياع ليس إماما وإنما هو مجرد ناقل للصوت، كما لا يستبين منه موضع الإمام بالنسبة للمقتدى به، وهو ما يترتب عليه إمكانية أن يكون المقتدى أمام الإمام وليس خلفه أو حتى عن يمينه، فالصعيد مثلا كله يقع أمام الإمام الذى يصلى فى مسجد من مساجد القاهرة، ولم يقل أحد من الفقهاء ولا المتفقهة بجواز وقوف المؤتم أمام إمامه، فإنما جعل الإمام ليؤتم به، ولذا يُنبه الإمام المؤتمين من التقدم عليه أو مساواته وإنما يلزمهم أن يكونوا خلفه، ولا يجوز بحال أن يقال بأن المقتدى بالإمام فى الحرم قد يكون مواجها للإمام، فلا يخفى أن للحرم أحكامه الخاصة،  كجواز صلاة المرأة إلى جوار الرجل أو أمامه، لاسيما المسجد الحرام، وإنما جاز هذا فى الحرم تخفيفا على الناس لترتب مشقة بالغة على تطبيق الأحكام العادية التى تطبق فى المساجد الأخرى.
 
ثانيا: إذا قصد القائلون بجواز الصلاة خلف المذياع أن هذه الفتوى استثنائية نظرا للظروف التى نمر بها، ففتواهم باطلة لكونها لا تستند على دليل يعتد به، ومسائل العبادات توقيفية يكون الإفتاء فيها فى دائرة الوارد المستنبط من النصوص الثابتة، وإذا قصدوا أنه حكم عام فهذه طامة كبرى، لأنها تهدر قيمة المسجد، حيث لا داعى لتكلف مشقة الذهاب إليه، لاسيما فى البرد أو الحر الشديد، حيث يمكن لم أن أراد أن يصلى فى بيته وكأنه فى المسجد، وهذا لا يقول به إلا ماجن أو جاهل، ففضل المساجد وخطوات قاصديها التى يرفع الله عن صاحبها  بكل خطوة سيئة ويبدله بها حسنة، كما ورد عن رسولنا الأكرم: أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِد، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاة، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ»، ولذا يستحب اختيار المسجد البعيد عن المسجد القريب لما فيه من تكثير خطوات المصلى لقوله – صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِى الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ»، ونعلم أن رسولنا حين استأذنه  لم يأذن للكفيف فى رواية ولابن أم مكتوم فى أخرى بالصلاة فى بيته حين قال  يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِى قَائِدٌ يَقُودُنِى إِلَى الْمَسْجِدِ: فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّى فِى بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِب» من باب حرص نبينا على حصوله على الأجر كاملا.
 
ثالثا: ما الحاجة لبناء المساجد والإنفاق عليها وشغلها لمساحات تمس الحاجة إليها لإسكان الناس وإنشاء المدارس والمصانع إذا كان تخصيص مساحة كشك يصلى فيه إمام وينقل صوته مذياع يكفى لصلاة أمة خلفه؟!.
 
رابعا: بكل تأكيد حين يصلى الإمام الذى ينقل المذياع صوته سيكون بينه وبين كثير ممن يأتمون به نائمون فى بيوتهم كيف كان نومهم وحالهم، ومن يقضون حاجاتهم فى حماماتهم، ومن يعصون الله بأفعالهم ومنها كبائر، كما توجد قرى وربما مدن ليس فيها مسلم واحد، فهل أجاز فقيه صلاة جماعة يوجد بين الإمام والمقتدى به مثل هؤلاء؟!
 
خامسا: نعلم جميعا أن اصطفاف الناس للصلاة يكون بتقدم الإمام للمصلين، ومن خلفه الرجال ومن خلفهم النساء والأطفال وصلاة المذياع لا تحقق شيئا من ذلك.
 
سادسا: ينبغى أن يلى الإمام فى الصلاة الأحفظ والأعلم بكتاب الله، وذلك للفتح على الإمام إن نسى؛ أو رده إن أخطأ؛ وأخذا مكانه من قبل أحدهم؛ متى استخلفه الإمام ليتم الصلاة بالناس إذا عرض للإمام عارض، وهذا مهدر بالإفتاء بصلاة المذياع؛ إلا إذا رأى أصحاب هذه الفتوى أن المؤتم فى أسوان؛ الذى يكون أمام الإمام يمكنه الفتح على الإمام أو رده أو أخذ مكانه إن عرض له عارض على خلاف ما نعرفه من نواميس الطبيعة.
 
سابعا: من البدهيات أن الصلاة مرتبطة بالوقت: «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا»، وأن هذه المواقيت تختلف من محافظة إلى محافظة، وربما بين مدن المحافظة الواحدة، فضلا عن اختلافها بين الدول، وأن الصلاة قبل حلول وقتها باطلة، فهل يجيز هؤلاء الصلاة خلف مذياع يصلى بينما لم يحن وقت الصلاة فى موضع المؤتم؟!.
 
ثامنا: لماذا شغل الناس بمسألة لا حاجة للناس فى فيها؟ فمن المعلوم أن صلاة الجماعة فى المساجد معلقة، وبالتالى لا وجود لهذا المذياع الذى ينقل صلاة إمام ليأتم به الإمام فى كثير من البلدان، وإن وجد فهو فى بعض الصوات دون بعضها، ثم إن شريعتنا أجازت صلاة الجماعة فى أى موضع وبأى عدد فالناس يتمكنون منها فى بيوتهم ولو كان رجل وزوجته  فقط، فلا ضرورة ولا حتى حاجة لهذا التكلف.
 
وأخيرا وليس آخرا، فهناك العديد من المحاذير المترتبة على هذه الفتوى الباطلة وليس الشاذه، فليحذر هؤلاء من تحمل إثم من يتبعونهم، ويتسببون فى إهدار عبادتهم، لاسيما ونحن نتحدث عن أول أركان إسلامنا العملية، بعد ركن الإسلام العقدى المتمثل فى الشهادتين، اللهم بلغت اللهم فاشهد.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة